وقال} هو عطف على جواب الجن المستتر عن العامل في " يا معشر " الذي تقديره كما يهدي إليه الآيات التي تأتي في السورة الآتية في تفصيل هذه المحاورة : فقالوا : ربنا هم ضلوا، لأنهم كانوا يستمعون بنا في نفوذهم وسماعهم الأخبار الغريبة منا، فاستوجبوا العذاب بمفردهم، وستر جواب الجن لأنه - مع كونه لا يخفى لدلالة المعطوف عليه - مناسب لحالهم في الاستتار مع شهرتهم، وذكره بلفظ الماضي إشارة إلى تحقق وقوعه، لأنه خبر من لا يخلف الميعاد، والمراد بهذه المحاورة ضرب مما بأتي تفصيله بقوله ﴿قالت أخراهم لأولاهم ربنا هؤلاء أضلونا﴾ [الأعراف : ٣٨] - الآية، وقوله ﴿فقال الضعفاء للذين استكبروا إنا كنا لكم تبعاً﴾ - الآية ﴿أولياؤهم﴾ أي الجن ﴿من الإنس﴾ أي الذين تولوهم بالاتباع والطاعة فيما دعوهم إليه من الضلال، معترفين مستعطفين ﴿ربنا﴾ أيها المربي لنا المحسن إلينا ﴿استمتع﴾ أي طلب المتاع وأوجده ﴿بعضنا ببعض﴾ نحن بهم فيما قالوا، وهم بنا في طاعتنا لهم وعياذنا بهم ﴿وبلغنا﴾ أي نحن وهم ﴿أجلنا﴾ وأحالوا الأمر على القدر فقالوا :﴿الذي أجلت لنا﴾ وهو الموت الذي كتبته علينا وسويت بيننا في سوط قهره وتجرع كؤوس حره وقره، ثم هذا اليوم الذي كنا مشتركين في التكذيب به، فاستوجبنا العذاب كلنا.
ولما تم ذلك كان كأنه قيل : فما قال الله لهم بعد هذه المحاورة الغريبة التي هي ضرب من كلام أهل الباطن في الدنيا لجلج مضطرب لا حاصل له ؟ فقيل :﴿قال﴾ أي المخاطب لهم عن الله ﴿النار مثواكم﴾ أي منزلكم جميعاً من غير أن تنفعكم الإحالة على القدر ﴿خالدين فيها﴾ أي إلى ما لا آخر له، لأن الأعمال بالنية وقد كنتم على عزم ثابت أنكم على هذا الكفر ما بقيتم ولو إلى ما لا آخر له، فالجزاء من جنس العمل.


الصفحة التالية
Icon