حتى يترك العقاب ويصفح عن الجريمة، فلذلك شهدوا بإتيان الرسل إليهم وإقامة الحجة عليهم، وشهدوا على أنفسهم بالكفر، فما زادهم ذلك إلا وبالاً وحزناً ونكالاً.
جزء : ٢ رقم الصفحة : ٧١٤
ولما ذكر سبحانه إقامة الحجة على الكافر في المعاد بالرسل عليهم السلام، علل إرسالهم ترغيباً وحثاً في اتباعهم في أيام المهلة بعد ترهيب، وتنبيهاً وإرشاداً في صادع تخويف وتأديب فقال :﴿ذلك﴾ أي الأمر العظيم الجدوى هو أن أرسلنا الرسل ﴿أن﴾ أي لأجل أنه ﴿لم يكن ربك﴾ أي المحسن إليك بتشريف قومك ﴿مهلك﴾ أي ثابتاً إهلاكه ﴿القرى بظلم﴾ أي بسبب ظلم ارتكبوه ﴿وأهلها غافلون *﴾ أي غريقون في الغفلة عما يجب عليهم مما لا تستقل به عقولهم، أي بما ركب فيهم من الشهوات وغلب عليهم من اللذات، فأوقف عقولهم عن نافذ المعرفة بما يراد بهم، فأرسلنا إليهم الرسل حتى أيقضوهم من رقدتهم وأنبهوهم من غفلتهم، فصار تعذيبهم بعد تكذيبهم هو الحق الواجب والعدل الصائب، ويجوز أن يكون المعنى : مهلكهم ظالماً، فيكون المنفي من الظلم كالمنفي في قوله تعالى ﴿وما ربك بظلام للعبيد﴾ [فاطر : ٤٦] وعلى الأول المنفي ظلمهم.
ولما بيّن سبحانه أن لأحد الفريقين دار السلام، والآخر دار الملام، قال جامعاً للفريقين عاطفاً على قوله ﴿لهم دار السلام عند ربهم﴾ [الأنعام : ١٢٧] :﴿ولكل﴾ أي عامل من الفريقين صالح أو طالح في قبيلي الجن والإنس في الدارين ﴿درجات﴾ أي يعليهم الله بها ﴿مما﴾ أي من أجل ما ﴿عملوا﴾ ودركات يهويهم فهيا كذلك.


الصفحة التالية
Icon