ولما تقدم أنه تعالى لا يهلك المجرمين إلاّ بعد الإعذار إليهم، وتضمن ذلك إمهالهم، وختم أحوالهم بأنهم موضع لثبوت الغفلة ودوامها، نفى أن يسلم شيء من ذلك بجناب عظمته على وجه أثبت له ذلك إحاطة العلم بجميع أعمالهم فقال :﴿وما ربك﴾ أي المحسن إليك بإعلاء أوليائك وإسفال أعدائك، وأغرق في النفي لإثبات مزيد العلم فقال :﴿بغافل عما يعملون *﴾ أي عن شيء يعمله أحد من الفريقين، بل هو
٧١٨
عالم بكل شيء من ذلك وبما يستحقه العامل قادر على جزائه، فلا يقع في وهم أن الإمهال لخفاء الاستحقاق بخفاء الموجب له، فالآية من النصوص في كتابة الصالحين من الجن.
جزء : ٢ رقم الصفحة : ٧١٨
ولما كان طلب العبادة للائتمار والانتهاء ربما أوهم الحاجة إليها لنفع في الطاعة أو ضرر يلحقه سبحانه من المعصية، وكان الإمهال مع المبارزة ربما ظن أنه عن عجز، قال مرغباً مرهباً :﴿وربك﴾ أي المحسن إليك وإليهم بغرسالك، وحصر الخير في المبتدإ بقوله :﴿الغني﴾ أي وحده الغني المطلق عن كل عابد وعبادته، فليعمل العامل لنفع نفسه أو ضرها ﴿ذو الرحمة﴾ أي وحده بلإمهال والإرسال للتنبيه على ما يستحقه من الأعمال ؛ وملا كان اختصاصه بالغنى والرحمة فلا رحمة إلا منه ولا غنى إلا عنه، وأنه ما رتب الثواب والعقارب إلا رحمة منه وجوداً، استأنف بيان ذلك، وأخبر عن هذا المبتدإ بوصفيه عند من جعلها وصفين بقوله مصرحاً بما أفاده :﴿إن يشأ يذهبكم﴾ أي جميعاً بالإهلاك، فلا يقع في ظن أحد منكم أن الإهلاك متوقف على شيء غير مشيئته، ولكنه قضى بإمهالكم إلى آجالكم رحمة لكم وإكراماً لنبيكم ﷺ ؛ ثم قال تحقيقاً لغناه أيضاً :﴿ويستخلف﴾.


الصفحة التالية
Icon