ولما كان لم يجعل لأحد الخلد، أدخل الجار فقال :﴿من بعدكم﴾ أي بعد هلاككم ﴿ما يشاء﴾ أي يبدع غيركم من الخلق من جنسكم أو غير جنسكم كما أبدع أباكم آدم من التراب والتراب من العدم وفرعكم منه ﴿كما أنشأكم من ذرية﴾ أي نسل ﴿قوم آخرين *﴾ أي بعد أن أهلكهم أجمعين، وهم أهل السفينة وقد كنتم نطفاً في أصلابهم، لم يكن في واحدة منها حياة.
ولما تقرر أن له الوصفين الملزومين للقدرة، أنتج ذلك قوله جواباً لاستعجالهم بالعذاب استهزاء :﴿إن ما توعدون﴾ أي من البعث وغيره ﴿لآت﴾ أي لا بد من وقوعه لأن المتوعد لا يبدل القول لديه ولا كفوء له يعارضه فيه ﴿وما أنتم بمعجزين *﴾ أي بثابت لكم الإتيان بشيء يعجز عنه الخصم، فتمهد الأمر من جهته ومن جهتكم لوجود المقتضي وانتفاء المانع، وفي ذلك تقرير لأمر رحمته لأن القادر إذا اراد النقمة أخذ على غرة ولم يهدد، وإذا أراد الرحمة تقدم بالوعيد ليحذر الفائزون ويستسلم الخاسرون.
ولما تقرر ذلك من التهديد على إنكار البعث وتحرر، فأنتج الاجتهاد للعاقل - ولا بد - في العمل، وكان أكثر الخلق أحق، أمره سبحانه بالنصيحة بقوله :﴿قل يا قوم﴾ أي يا أقرب الخلق إليّ وأعزهم عليّ ومن لهم قيام في الأمور وكفاية عند المهمات ﴿اعملوا﴾ وأشار إلى مزيد القوة بعد التعبير بالقوم بحرف الاستعلاء فقال :﴿على
٧١٩
مكانتكم﴾
أي على ما لكم من القدرة على العمل والمكنة قبل أن تأتي الدواهي وتسبقكم القواصم بخفوق الأجل، وفيه مع النصيحة تخويف أشد مما قبله، لأن تهديد الحاضر على لسان الغير مع الإعراض أشد من مواجهته بالتهديد، أي أنكم لم تقبلوا بذلك التهديد الأول كنتم أهلاً للإعراض والبعد.
جزء : ٢ رقم الصفحة : ٧١٨


الصفحة التالية
Icon