ولما كان أدل شيء على النصيحة مبادرة الناصح إلى مباشرة ما نصح به ودعا إليه، قال مستانفاً أو معللاً :﴿إني عامل﴾ أي على مكانتي وبقدر استطاعتي قبل الفوت بحادث الموت، ويمكن أن يكون متمحضاً للتهديد، فيكون المعنى : اعملوا بما أنتم تعملونه الآن من مخالفتي بغاية ما لكم من القوة، إني كذلك أعمل فيما جئت به.
ولما كان وقوع المتوعد به سبباً للعلم بالعاقبة، وكان السياق لعدم تذكرهم وغرورهم وقلة فطنتهم، حسن إثبات الفاء في قوله : دون إسقاطها لأن الاستئناف يتعطف للسؤال فقال :﴿فسوف تعلمون﴾ أي يقع لكم بوعد لا خلف فيه العلم، فكأنه قيل : أيّ علم ؟ فقيل :﴿من تكون له﴾ كوناً كأنه جبل عليه ﴿عاقبة الدار﴾ أي بيني وبينكم، وهذا في إثبات الفاء بخلاف ما في قصة شعيب عليه السلام من سورة هود عليه السلام في حذفها ؛ ولما كان التقدير جواباً لما تقرر من سؤالهم : عاقبة الدار للعامل العدل، استأنف قوله :﴿إنه لا يفلح الظالمون *﴾ أي الغريقون في الظلم كائنين من كانوا، فلا يكون لهم عاقبة الدار، فالآية من الاحتباك : ذكرُ العاقبة أولاً دليل على حذفها ثانياً، وذكر الظلم ثانياً دليل على حذف العدل أولاً.
جزء : ٢ رقم الصفحة : ٧١٨
ولما تمت هذه الآيات من قبح طريقتهم في إنكار البعث وحسن طريقة الإسلام على هذا الأسلوب البديع والمثال البعيد المنال الرفيع وختمت بحال الظالم، شرع في تفصيل قوله ﴿أغير الله أتخذ ولياً فاطر السماوات والأرض﴾ [الأنعام : ١٤] على أسلوب آخر ابتدأه ببيان ظلمهم وجهالاتهم وأباطيلهم تنبيهاً على سخافة عقولهم تنفيراً عنهم بوضعهم الأشياء في غير مواضعها وإخراجها عمن هي له ونسبتها إلى من لا يملك شيئا
٧٢٠


الصفحة التالية
Icon