ولما كان المزين لخسته أهل لأن لا يقبل تزيينه ولا يلتفت إليه، فكان امتثال قوله غريباً، وكان الإقدام على فعل الأمر المزين أشد غرابة، قدمه تنبيهاً على ذلك فقال :﴿قتل أولادهم﴾ أي بالوأد خشية الإملاق والنحر لآلهتهم، وشتان بين من يوجد لهم الولد ويرزقه والرزق ويخلقه وبين من لا يكون إلا سبباً في إعدامه ؛ ولما كان في هذا غاية الغرابة تشوفت النفس إلى فاعل التزيين فقال :﴿شركاؤهم﴾ أي وهم أقل منهم بما يخاطبون به من أجواف الأصنام وبما يحسن لهم السدنة والأهوية بسبب الأصنام.
ولما كان هذا أمراً معجباً، كان الأمر في قراءة ابن عامرالمولود في زمان النبي ﷺ المشمول ببركة ذلك العصر الآخذ عن جلة من الصحابة الموصوف بغزارة العلم ومتانة الدين وقوة الحفظ والضبط وحجة النقل في إسناد الفعل إلى الشركاء بإضافة المصدر إلى فاعله أعجب، وفصل بين المضاف والمضاف إليه بالمفعول - وهو الأولاد - لأن وقوع القتل فيهم كما تقدم أعجب.
٧٢٢
ولما كان ذلك رمبا كان لفائدة استهين لها هذا الفعل العظيم، ذكر أنه ليس له فائدة إلا الهلاك في الدنيا والدين الذي هو هلاك في الآخرة ليكون ذلك أعجب فقال :﴿ليردوهم﴾ أي ليهلكوهم هلاكاً لا فائدة فيه بوجه ﴿وليلبسوا﴾ أي يخلطوا ويشبهوا ﴿عليهم دينهم﴾ أي وهو دين إبراهيم الذي أمره الله بذبح ولده إسماعيل عليهما السلام فما أقدم عليه إلاّ بأمر الله ثم إنه فداه ولم يمض ذبحه، فخالف هؤلاء عن أمر الشركاء الأمرين معاً فجمعوا لهم بذلك بين إهلاكين : في النفس والدين، فان القتل في نفسه عظيم جداً، ووقوعه تديناً بغير أصل ولا شبهة أعظم، فلا أضل ممن تبع من كان سبباً لإهلاك نفسه ودينه.


الصفحة التالية
Icon