فقد علم أن التصوير في الرحم أدق شيء علماً وقدرة، فعلم فاعله بغيره والقدرة عليه من باب الأولى فثبت أنه لا كفؤ له ؛ فلذلك وصل به كلمه الإخلاص ـ وقال الحرالي : ولما تضمنت إلاحة هذه الآية ما تضمنته من الإلباس والتفكير أظهر سبحانه وتعالى كلمه الإخلاص ليظهر نورها أرجاس تلك الإلباسات وتلك التكفيرات فقال :﴿لا إله إلا هو﴾ إيذاناً بما هي له الإلباس والتكفير من وقوع الإشراك بالإلهية والكفر فيها والتلبس والإلتباس في أمرها ؛ فكان في طي هذا التهليل بشرى بنصرة أهل الفرقان وأهل القرآن على أهل الالتباس والكفران وخصوصاً على أهل الإنجيل الذين ذكرت كتبهم صريحاً في هذا التنزيل بل يؤيد إلاحته في التهليل إظهار الختم في هذه الآية بصفتي العزة المقتضية للانتقام من أهل عداوته والحكمته المقتضية لإكرام أهل ولايته ؛ انتهى ـ فقال :﴿العزيز﴾ أي الغالب غلبة لا يجد معها المغلوب وجه مدافعة ولا انفلات، ولا معجز له في إنفاذ شيء من أحكامه ﴿الحكيم﴾ أي الحاكم بالحكمة، فالحكم المنع عما يترامى إليه المحكوم عليه وحمله على ما يمتنع منه من جميع أنواع الصبر ظاهراً بالسياسة العالية نظراً له، والحكمة العلم بالامر الذي لأجله وجب الحكم منقوام أمر العاجله وحسن العقبى في الآجلة ؛ ففي ظاهر ذلك الجهد، وفي باطنه الرفق، وفي عاجله الكره، وفي آجله الرضى والروح ؛ ولايتم الحكم وتستوي الحكمة إلا بحسب سعة العلم، فبذلك يكون تنزيل أمر العزة على وزن الحكمة ـ قاله الحرالي بالمعنى.
ولما ختم سبحانه وتعالى بوصف العزة الدالة على الغلبة الدالة على كمال القدرة والحكمة المقتضى لوضع كل شيء في أحسن محاله وأكملها المستلزم لكمال العلم، تقديراً لما مر من التصوير وغيره، وكان هذا الكتاب أكمل مسموعات العباد لنزوله على وجه هو أعلى الوجوه، ونظمه على أسلوب أعجز الفصحاء وأبكم البلغاء ـ إلى غير ذلك
١٤


الصفحة التالية
Icon