وأيضاً فالسياق هنا للترهيب الموجب للتقوى، فكان بالخلق الذي هو أعظم في إظهار الاقتداء - لأنه اختراع الأسباب وترتيب المسببات عليها - أحق من الجعل الذي هو ترتيب المسببات على اسبابها وإن لم يكن اختراع - فسبحان العزيز العليم العظيم الحكيم!.
جزء : ٢ رقم الصفحة : ٢٠٤
ولما ذكر تعالى الإنشاء عبر بلفظ الرب الذي هو من التربية، ولما كان الكل - المشار إليه بقوله تعالى عطفاً على ما تقديره : وبث لكم منه إليها :﴿وبث منهما﴾ أي فرق ونشر من التوالد، ولما كان المبثوث قبل ذلك عدماً وهو الذي أوجده من العدم نكر لإفهام ذلك قوله :﴿رجالاً كثيراً ونساءً﴾ من نفس واحدة ؛ كان إحسان كل من الناس إلى كل منهم من صلة الرحم، ووصف الرجال دونهن مع أنهن أكثر منهم إشارة
٢٠٦
إلى أن لهم عليهن درجة، فهم أقوى وأظهر وأطيب وأظهر في رأي العين لما لهم من الانتشار وللنساء من الاختفاء والاستتار.
ولما كان قد أمر سبحانه وتعالى أول الآية بتقواه مشيراً إلى أنه جدير بذلك منهم لكونه ربهم، عطف على ذلك الأمر أمراً آخر مشيراً إلى أنه يستحق ذلك لذاته لكونه الحاوي لجميع الكمال المنزه عن كل شائبة نقص فقال :﴿واتقوا الله﴾ أي عموماً لما له من إحاطة الأوصاف كما اتقيتموه خصوصاً لما له إليكم من الإحسان والتربية، واحذروه وراقبوه في أن تقطعوا أرحامكم التي جعلها سبباً لتربيتكم.
ولما كان المقصود من هذه السورة المواصلة وصف نفسه المقدسة بما يشير إلى ذلك فقال :﴿الذين تساءلون﴾ أي يسأل بعضكم بعضاً ﴿به﴾ فإنه لا يسأل باسمه الشريف المقدس إلا الرحمة والبر والعطف، ثم زاد المقصود إيضاحاً فقال :﴿والأرحام﴾ أي واتقوا قطيعة الأرحام التي تساءلون بها، فإنكم تقولون : ناشدتك بالله والرحم! وعلل هذا الأمر بتخويفهم عواقب بطشه، لأ، ه مطلع على سرهم وعلنهم مع ما له من القدرة الشاملة.


الصفحة التالية
Icon