لأن أحكامه تقدمت، ولأن بناء هذه السورة على التواصل والائتلاف ورعي حقوق ذوي الأرحام وحفظ ذلك كله إلى حالة الموت المكتوب علينا، وناسب هذا المقصود من التواصل والألفة ما افتتحت به السورة من قوله تعالى :﴿الذي خلقكم من نفس واحدة﴾ [النساء : ١]، فافتتحها بالالتئام والوصلة ولهذا خصت م حكم تشاجر الزوجين بالإعلام بصورة الإصلاح والمعدلة إبقاء لذلك التواصل فلم يكن الطلاق ليناسب هذا، فلم يقع له هنا ذكر إلا إيماء ﴿وإن يتفرقا يغن الله كلا من سعته﴾ [النساء : ١٣] ولكثرة ما يعرض من رعي حظوظ النفوس عند الزوجية ومع القرابة - ويدق ذلك ويغمض - تكرر كثيراً في هذه السورة الأمر بالاتقاء، وبه افتتحت ﴿اتقوا ربكم﴾ [النساء : ١]، ﴿واتقوا الله الذي تسآءلون به والأرحام﴾ [النساء : ١]، و﴿ولقد وصينا الذين أوتوا الكتاب من قبلكم وإياكم أن اتقوا الله﴾ [النساء : ١٣١]، ثم حذروا من حال من صمم على الكفر وحال اليهود والنصارى والنمافقين وذوي التقلب في الأديان بعد أذن اليقين، وكل ذلك تأكيد لما أمروا به من الاتقاء، والتحمت الآيات إلى الختم بالكلالة من المواريث المتقدمة - انتهى.
جزء : ٢ رقم الصفحة : ٢٠٨
ولما حذروا من القول الذي من مدلوله المحاجة عن كثرة النساء ؛ كان ربما تعلق به من يبخل عن بعض الحقوق، لا يما يستكثره من الصداق، فأتبعه ما ينفي ذلك، فقال - مخاطباً للأزواج، لأن السياق لهم، معبراً بما يصلح للدفع والالتزام المهيء له :﴿وآتوا النساء﴾ أي عامة من اليتامى وغيرهن ﴿صدقاتهن﴾، وقوله مؤكداً للإيتاء بمصدر من معناه :﴿نحلة﴾ مؤيد لذلك، لأن معناها : عطية عن طيب نفس ؛ قال الإمام أبو عبد
٢١٤
الله القزاز في ديوانه : وأصله - أي النحل : إعطاء الشيء لا يراد به عوض وكذا إن قلنا : معنى النحلة الديانة والملة الشرعة والمذهب، أي آتوهن ذلك ديانة.


الصفحة التالية
Icon