يجب عليكم حفظها ﴿التي جعل الله﴾ أي الذي له الإحاطة بالعلم الشامل والقدرة التامة ﴿لكم قياما﴾ أي ملاكاً وعماداً تقوم بها أحوالكم، فيكون ذلك سبباً لضياعها، فضياعها سبب لضياعكم، فهو من تسمية السبب باسم المسبب للمبالغة، في سببيته ﴿وارزقوهم﴾ متجرين ﴿فيها﴾ وعبر بالظرف إشارة إلى الاقتصاد واستثمار الأموال حتى لا تزال موضعاً للفضل، حتى تكون النفقة والكسوة من الربح لا من رأس المال ﴿واكسوهم﴾ أي فإن ذلك ليس من المنهيّ عنه، بل هو من معالي الأخلاق ومحاسن الأعمال ﴿وقولوا لهم﴾ أي مع ذلك ﴿قولاً معروفاً*﴾ أي في الشرع والعقل كالعدة الحسنة ونحوها، وكل ما سكنت إليه النفس وأحبته من قول أو عمل وليس مخالفاً للشرع فهو معروف، فإن ذلك ربما كان أنفع في كثير من الإعطاء وأقطع للشر ؛ والحجر على السفيه مندرج في هذه الآية، لأن ترك الحجر عليه من الإيتاء المنهي عنه.
ولما نهي عن ذلك البذل للسفهاء أيتاماً كانا أو غيرهم، بين أنه ليس دائماً بل ما دام السفه قائماً، فمست الحاجة إلى التعريف بمن يعطي ومن يمنع وكيف عند الدفع، ولما كان السفه أمراً باطناً لا يعرف إلا بالتصرف ولا سيما في المال ؛ بدأ سبحانه بتعليم ما يتوصلون به إلأى معرفته فقال مصرحاً بالأيتام اهتماماً بأمرهم :﴿وابتلوا اليتامى﴾ أي اختبروهم في أمر الرشد في الدين والمال في مدة مراهقتهم واجعلوا ذلك دأبكم ﴿حتى إذا بلغوا النكاح﴾ أي وقت الحاجة إليه بالاحتلام أو السن ﴿فإن آنستم﴾ أي علمتم علماً أنتم في عظيم تيقنه كأنكم تبصرونه على وجه تحبونه وتطيب أنفسكم به ﴿منهم﴾ أي عند بلوغه ﴿رشداً﴾ أي بذلك التصرف، ونكره لأن وجود كمال الرشد في أحد يعز وقوعه ﴿فادفعوا إليهم أموالهم﴾ أي لزوال الحاجة إلى الحجر بخوف التبذير، وأضافها إليهم بعد إضافتها أولاً إلى المعطين إشارة إلى أنه لا يستحقها إلا من يحسن التصرف فيها.
جزء : ٢ رقم الصفحة : ٢١٤