ولما كان الإنسان مجبولاً على نقائص منها الطمع وعدم الشبع لا سيما إذا خالط، لا سيما إن حصل له إذن ما ؛ أدبه سبحانه بقوله :﴿ولا تأكلوها﴾ أي بعلة استحقاقكم لذلك بالعمل فيها ﴿إسرافاً﴾ أي مسرفين بالخروج عن القصد في التصرف ووضع الشيء في غير موضعه وإغفال العدل والشفقة ﴿وبداراً﴾ أي مبادرين ﴿أن يكبروا﴾ أي فيأخذوها منكم عند كبرهم فيفوتكم الانتفاع بها، وكأنه عطف بالواو الدالة على تمكن الوصف وتمامه إشارة إلى عدم المؤاخذة بما يعجز عنه الإنسان المجبول على النقصان مما يجري في الأفعال مجرى الوسوسة في الأقوال ﴿ولن يشاد الدين أحد إلا غلبه﴾
٢١٦
ولما أشعر النهي عن أكل الكل بأن لهم في الأكل في الجملة علة مقبولة، أفصح به في قوله :﴿ومن كان﴾ أي منكم أيها الأولياء ﴿غنياً فليستعفف﴾ أي يطلب العفة ويوجدها ويظهرها عن الأكل منها جملة، فيعف عنه بما بسط الله له من رزقه ﴿ومن كان فقيراً﴾ وهو يتعهد مال اليتيم لإصلاحه، ولما كان يخشى من امتناعه من الأكل منه التفريط فيه بالاشتغال بما يهمه في نفسه، أخرج الكلام في صيغة الأمر فقال معبراً بالأكل لأنه معظم المقصود :﴿فليأكل بالمعروف﴾ أي بقدر أجرة سعيه.
ولما كان ذلك ربما أفهم الأمان إلى الرشد بكل اعتبار، أمر بالحزم - كما في الطبراني الأوسط عن أنس ﴿احترسوا من الناس بسوء الظن﴾ - فقال :﴿فإذا دفعتم إليهم﴾ أي اليتامى ﴿أموالهم﴾ أي التي كانت تحت أيديكم لعجزهم عن حفظها ﴿فأشهدوا عليهم﴾ أي احتياطاً لأن الأحوال تتبدل، والرشد يتفاوت، فالإشهاد أقطع للشر، وأنفع في كل أمر، والأمر بالإشهاد أزجر للولي عن الخيانة، لأن من عرف أنه لا يقبل عند الخصام إلا ببينة عف غاية العفة، واحترز غاية الاحتراز.


الصفحة التالية
Icon