ولما بين المفروض أتبعه المندوب فقال تعالى :﴿وإذا حضر القسمة أولوا القربى﴾ أي ممن لا يرث صغاراً أو كباراً ﴿واليتامى والمساكين﴾ أي قرباء أو غرباء ﴿فارزقوهم منه﴾ أي المتروك، وهو أمر ندب لتطييب قلوبهم، وقرينة صرفه عن الوجوب ترك التحديد ﴿وقولوا لهم﴾ أي مع الإعطاء ﴿قولاً معروفاً *﴾ أي حسناً سائغاً في الشرع مقبولاً تطيب به نفوسهم.
جزء : ٢ رقم الصفحة : ٢١٧
ولما أعاد الوصية باليتامى مرةبعد أخرى، وختم بالأمر بالإنة القول، وكان للتصوير في التأثير في النفس ما ليس لغيره ؛ أعاد الوصية بهم لضعفهم مصوراً لحالهم مبنياً أن القول المعروف هو الصواب الذي لا خلل فيه فقال :﴿وليخش﴾ أي يوقع الخشية على ذرية غيرهم ﴿الذين﴾ وذكر لهم حالاً هو جدير فيه فقال :﴿لو تركوا﴾ أي شارفوا الترك بموت أو هرم، وصوّر حالهم وحققه بقوله :﴿من خلفهم﴾ أي بعد موتهم أن عجزهم العجز الذي هو كموتهم ﴿ذرية﴾ أي أولاداً من ذكور أو إناث ﴿ضعفاً﴾ أي لصغر أو غيره ﴿خافوا عليهم﴾ أي جور الجائرين.
ولما تسبب عن ذلك التصوير في أنفسهم خوفهم على ذرية غيرهم كما يخافون على ذريتهم سواء كانوا أوصياء أو أولياء أو أجانب، وكان هذا الخوف ربما أداهم في قصد نفعهم إلى جور على غيرهم ؛ أمر بما يحفظهم على الصراط السوي بقوله :﴿فليتقوا﴾ وعبر بالاسم الأعظم إرشاداً إلى استحضار جميع عظمته فقال :﴿الله﴾ أي فليعدلوا في أمرهم ليقيِّض الله لهم من يعدل في ذريتهم، وإلا أوشك أن يسلط على ذريتهم من يجور عليهم ﴿وليقولوا﴾ أي في ذلك وغيره ﴿قولاً سديداً *﴾ أي عدلاً قاصداً صواباً، ليدل هذا الظاهر على صلاح ما أتمره من الباطن
٢١٨