كما تقدم ﴿فآذوهما﴾ وقد بين مجمل الأذى الصادق باللسان وغيره آية الجلد وسنة الرجم ﴿فإن تابا﴾ أي بالندم والإقلاع والعز على عدم العود ﴿وأصحا﴾ أي بالاستمرار على ما عزما عليه، ومضت مدة علم فيها الصدق في ذلك ﴿فأعرضوا عنهما﴾ أي عن أذاهما، وهو يدل على أن الأذى باللسان يستمر حتى يحصل الاستبراء، ثم علل ذلك بقوله :﴿إن الله﴾ أي الذي له جميع صفات الكمال ﴿كان تواباً﴾ أي رجاعاً بمن رجع عن عصيانه إلى ما كان فيه من المنزلة ﴿رحيماً *﴾ أي يخص من يشاء من عباده بالتوفيق لما يرضاه له، فتخلقوا بفعله سبحانه وارحموا المذنبين إذا تابوا، ولا يكن أذاكم لهم إلا اله ليرجعوا، وليكن أكثر كلامكم لهم الوعظ بما يقبل بقلوبهم إلى ما ترضاه الإلهية، ويؤيده أن المراد بهذا البكر والثيب من الرجال والنساء تفسير النبي ﷺ بقوله فيما رواه مسلم والأربعة والدارمي عن عبادة بن الصامت رضي الله عنه "قد جعل الله لهن سبيلاً، البكر بالبكر جلد مائة وتغريب عام والثيب بالثيب جلد مائة والرجم " فالحديث مبين لما أجمل في الآية من ذكر السبيل.
٢٢٦
ولما ختم ذلك بذكر توبة الزناة، وكان الحامل على الزنى - على ما يقتضيه الطبع البشري - شدة الشبق وقلة النظر في العواقب، وكان ذلك إنما هو في الشباب ؛ وصل بذلك قوله تعالى معرفاً بوقت التوبة وشرطها مرغباً في تعجيلها مرهباً من تأخيرها :﴿إنما التوبة﴾ وهي رجوع العبد عن المعصية اعتذاراً إلى الله تعالى، والمراد هنا قبولها، سماه باسمها لأنها بدون القبول لا نفع لها، فكأنه لا حقيقة لها.
جزء : ٢ رقم الصفحة : ٢٢٦


الصفحة التالية
Icon