والظاهر أن فائدة التقييد الندب إلى مباعدة الكفار فلا ينكح منهن إلا لضرورة، فكأن هذه سورة المواصلة، أسقط فيها أهل المباعدة، والمائدة سورة تمام الدين، فذكر فيها ما يجوز لأهله فلا ضرر في القيد، لأن المفهوم لا يقوى لمعارضة المنطوق مع ما فيه من فائدة الندب إلى الترك، وهذا كما أن قيد الإحصان هنا للندب إلى عدم نكاح الزواني مع جوازه بآية النور ﴿وانكحوا الأيامى منكم﴾ [النور : ٣٢] كما يأتي بيانه هناك إن شاء الله تعالى.
جزء : ٢ رقم الصفحة : ٢٣٥
ولما شرط في هذا النكاح الإيمان، وعبر فيه بالوصف، وكان أمراً قلبياً، لا يطلع على حقيقته إلا الله ؛ أعقبه ببيان أنه يكتفى فيه بالظاهر فقال :﴿والله﴾ أي الذي له الإحاطة التامة بالمعلومات والمقدورات ﴿أعلم بإيمانكم﴾ فربما ظهر ضعف إيمان أحد والباطن بخلافه، لكن في التعبير به وبالوصف لا بالفعل إرشاد إلى مزيد التحري من جهة الدين " فاظرفت بذات الدين، تربت يداك " ولما اشترط الدين كان كأنه قيل : فالنسب ؟ فأشير إلى عدم اشتراطه بقوله :﴿بعضكم من بعض﴾ أي كلكم من آدم وإن تشعبتم بعده ﴿فانكحوهن﴾ أي بشرط العجز ﴿بإذن أهلهن﴾ أي من مواليهن، ولا يجوز نكاحهن من غير إذنهم.
ولما كان مما لا يخفى أن السيد المالك للرقبة مالك للمنفعة من باب الأولى كان الأمر بدفع المهور إليهن مفيداً لندب السيد إلى جبرها به من غير أن يوهم أنها تملكه وهي لا تملك نفسها، فلذلك قال تعالى :﴿وآتوهن أجورهن﴾ وهي المهور ﴿بالمعروف﴾ أي من غير ضرارا، لا عليكم ولا عليهن ولا على أهلهن، حال كونهن ﴿محصنات﴾ أي عفائف بانفسهن أو بصون الموالي لهن ﴿غير مسافحات﴾ أي مجاهرات بالزنى لمن أراد، لا لشخص معين ﴿ولا متخذات أخدان﴾ أي أخلاء في السر للزنى معينين، لا تعدو ذات الخدن خدنها إلى غيره ؛ قال الأصبهاني : وهو - أي الخدن - الذي يكون معك ي كل ظاهر وباطن.


الصفحة التالية
Icon