ولما لم يتقدم بيان حد الإماء قال مبنياً له :﴿فإذا أحصن﴾ مبنياً للفاعل في قراءة حمزة والكسائي وأبي بكر عن عاصم، والمعفول في قراءة الباقين، أي انتقلن من حيز التعريض للزنى بالإكراه إلى حيز الحرائر بأن حفظن فروجهن بكراهتهن للزنى، أو حفظهن الموالي بالرضى لهن بالعفة ؛ وقال الشافعي في أوائل الرسالة في آخر الناسخ والمنسوخ الذي يدل الكتاب على بعضه والسنة على بعضه : إن معنى (أحصن) هنا : أسلمن، لا نكحن فاصبن بالنكاح، ولا أعتقن وإن لم يصبن، وقال : فإن قال قائل : أراك توقع الإحصان على معان مختلفة ؟ قيل : نعم، جماع الإحصان أن يكون دون التحصين مانع
٢٣٦
من تناول المحرم، فالإسلام مانع، وكذلك الحرية مانعة، وكذلك التزوج والإصابة مانع وكذلك الحبس في البيوت مانع، وكل ما منع أحصن، وقد قال الله عز ولجل ﴿وعلمناه صنعة لبؤس لكم لتحصنكم من بأسكم﴾ [الأنبياء : ٨٠] وقال :﴿لا يقاتلونكم جميعاً إلى في قرى محصنة﴾ [الحشر : ٤١] يعني مممنوعة، قال : وآخر الكلام وأوله يدلان على أن معنى الإحصان المذكور عام في موضع دون يغره، إذ الإحسان ها هنا الإسلام دون النكاح والحرية والتحصين بالحبس والعفاف، وهذه الأسماء التي يجمعها اسم الإحصان - انتهى.
﴿
جزء : ٢ رقم الصفحة : ٢٣٥
فإن أتين بفاحشة﴾ ولا تكون حينئذ إلا عن رضى من غير إكراه.
ولما كان من شأن النكاح تغليظ الحد، فغلظ في الحرائر بالرجم ؛ بين تعالى أنه لا تغليظ على الإماء، بل حدهن بعده هو حدهن قبله، فقال ﴿فعليهن نصف ما على المحصنات﴾ أي الحرائر لأنهن في مظنة العفة وإن كن بغير أزواج ﴿من العذاب﴾ أي الحد - كما كان ذلك عذابهن قبل الإحصان، وهذا يفهمه بطريق الأولى، والمراد هنا الجلد، لأن الرجم لا ينتصف.