ولما كان حرف المتشابه إخباراً عن نفسه سمحانه وتعالى بما يتعرف به لخلقه من أسماء وأوصاف كانت قراءته بتحقق العبد أن تلك الأسماء والأوصاف ليست مما تدركه حواس الخلق ولا ما تناله عقولهم، وإن أجرى على تلك الاسماء والأوصاف على الخلق فيوجه، لا يلحق أسماء الحق ولا أوصافه منها تشبيه في وهم ولا تمثيل في عقل ﴿ليس كمثله شيء وهو السميع البصير﴾ [الشورى : ١١]، ﴿ولم يكن له كفواً﴾ [الإخلاص : ٤]، فلاذي يصح به قراءة هذا الحرف أما من جهة القلب فالمعرفة بأن جميع أسماء الحق وأوصافه تعجز عن معرفتها إدراكات الخلق وتوقف عن تأويلها إجلالاً وإعظاماً معلوماتُهم، وأن حسبها معرفتها بأنها لا تعرفها، وأما من جهة حال النفس والاستكانة لما يوجبه تعرف الحق بتلك الأسماء والأوصاف من التحقق بما يقابلها والبراءة من الاتصاف بها لأن ما صلح للسيد حرم على العبد لتحقق فقر الخلق من تسمي الحق بالغنى، ولا يتسمى بالغنى فيقدح في هداه، فيهلك باسمه ودعواه، ولتحقق ذلهم من تسميته تعالى بالعزة وعجزهم عن تسميته بالقدرة، واستحقاق تخليهم من جميع ما تعرف به من أوصاف الملك والسلطان والغضب والرضى والوعد والوعيد والترغيب والترهيب ـ إلى سائر ما تسمى به في جميع تصرفاته مما ذكر في المتشابه من الآي، وأشير اليه من الأحاديث، وما عليه اشتملت " واردات الأخبار " في جميع الصحف والكتب، ومرائي الصالحين ومواقف المحدثين ومواجد المروّعين ؛ وأما من جهة العمل فحفظ اللسان عن إطلاق ألفاظ التمثيل والتشبيه تحقيقاً لما في مضمون قوله سبحانه وتعالى ﴿ولم يكن له كفواً أحد﴾ [الإخلاص : ٤] لأن مقتضاها الرد على المشبه من هذه الأمة، وليس لعمل الجوارح في هذا الحرف مظهر سوى ما ذكر من لفظ اللسان، فقراءئة كالمتوطئة لتخليص العبادة بالقلب في قراءة مفرد حرف الأمثال ؛ والله العلي الكبير ـ انتهى.


الصفحة التالية
Icon