ولما كان سبحانه وتعالى عالماً بجميع تحريفهم، أشار إليه بالعطف على ما تقديره : فيقولون كذا ويقولون كذا :﴿ويقولون سمعنا﴾ أي ما تقول ﴿وعصينا﴾ موهمين أنهم يريدون أن ذلك حكاية ما وقع لأسلافهم قديماً، وإنما يريدون أنهم هم سمعوا ما تقول وخالفوه عمداً ليظن من سمع ذلك أنهم على بصيرة في المخالفة بسبب ما عندهم من العلم الرباني ليورثه ذلك شكاً في أمره وحيرة في شأنه ﴿واسمع﴾ حال كونك ﴿غير مسمع﴾ موهمين عدم إسماعه ما يكره من قولهم : فلان أسمع فلاناً الكلام، وإنما يريدون الدعاء، كما يقال : اسمع لا سمعت! ﴿وراعنا﴾ موهمين إرادة المراعاة والإقبال عليهم، وإنما يريدون الشتم بالرعونة ؛ وقال الأصفهاني : ويحتمل شبه كلمة عبرانية كانوا يتسابون بها وهي : راعينا، فكانوا - سخرية بالدين وهزءاً برسول الله ﷺ - يكلمونه بكلام محتمل، ينوون به الشتيمة والإهانة ويظهرون التوقير والإكرام، ولذلك قال :﴿ليّاً بألسنتهم﴾ أي صرفاً لها عن مخارج الحروف التي تحق لها في العربية إلى ما يفعله العبرانيون من تغليظ بعض الحروف وشوب بعضها بغيره، لإرادة معانٍ عندهم قبيحة مع احتمالها لإ ﴿ادة معانٍ غير تلك يقصدها العرب مليحة {وطعناً في الدين﴾ أي بما يفسرونه به لمن يطمعون فيه من تلك المعاني الخبيثة.
جزء : ٢ رقم الصفحة : ٢٦١
ولما ذكر هذه الكلمات الموجهة، بين ما كان عليهم لو وقفوا فقال قاطعاً جدالهم :﴿ولو أنهم قالوا﴾ أي في الجواب له ﷺ ﴿سمعنا واطعنا﴾ أي بدل الكلمة الأولى ﴿واسمع وانظرنا﴾ بدل ما بعدها ﴿لكان﴾ أي هذا القول ﴿خيراً لهم﴾ أي من ذلك، لعدم استيجابهم الإثم ﴿وأقوم﴾ أي لعدم الاحتمال الذم ﴿ولكن لعنهم الله﴾ أي
٢٦٣