ولما أنتج ذلك خزيهم قال :﴿أولئك﴾ أي البعداء عن الحضرات الربانية ﴿الذين لعنهم الله﴾ أي طردهم بجميع ما له من صفات الكمال طرداً هم جديرون بأن يختصوا اللعن الذل ولاصغار، عطف عليه قوله :﴿ومن يلعن الله﴾ أي الملك الذي له الأمر كله منهم ومن غيرهم ﴿فلن تجد له نصيراً *﴾ أي في وقت من الأوقات أصلاً، وكرر لاتعبير بالاسم الأعظم لأن المقام يقتضيه إشعاراً لتناهي الكفر الذي هو أعظم المعاصي بتناهي الغضب.
ولما كان التقدير : كذلك كان من إلزامهم الذل والصغار، عطف عليه قوله :
٢٦٧
﴿أم﴾ أي ليس ﴿لهم نصيب﴾ أي واحد من الأنصباء ﴿من الملك فإذاً﴾ أي فيتسبب عن ذلك أنهم إذا كان لهم أدنى نصيب منه ﴿لا يؤتون الناس﴾ أي الذين آمنوا ﴿نقيراً *﴾ أي شيئاً من الدنيا ولا الآخرة من هدى ولا من غيره، والنقير : النقرة في ظهر النواة، قيل : غاية في القلة ؛ فهو كناية عن العدم، فهو بيان لأنهم لإفراط بخلهم لا يصلحون إلا لما هم فيه من الذل فكيف بدرجة الملك لأن الملك والبخل لا يجتمعان ﴿أم﴾ أي ليس لهم نصيب ما من الملك، بل ذلهم لازم وصغارهم أبداً كائن دائم، فهم ﴿يحسدون الناس﴾ أي محمداً ﷺ الذي جمع فضائل الناس كلهم من الأولين والآخرين وزاد عليهم ما شاء الله، أو العرب الذي لا ناس الآن غيرهم، لأنَّا فضلناهم على العالمين - بأن يتمنوا دوام ذلهم كما دام لهم هم، ودل على نهاية حسدهم بأداة الاستعلاء في قوله :﴿على ما آتاهم الله﴾ أي بما له من صفات الكمال ﴿من فضله﴾ حسدوهم لما رأوا من إقبال جدهم وظهور سعدهم وأنهم سادة الناس وقادة أهل الندى والبأس :
جزء : ٢ رقم الصفحة : ٢٦٦
إن العرانين تلقاها محسدة ولن ترا للئام الناس حساداً