ولما كان الرقيب في الأمانات لا بد له من أن يكون له من يد سمع وعلم قال :﴿كان﴾ أي ولم يزل ولا يزال ﴿سميعاً﴾ أي بالغ السمع لكل ما يقولونه جواباً لأمره وغيره ذلك ﴿بصيراً *﴾ أي بالغ البصر والعلم بكل ما يفعلونه في ذلك وغيره من امتثال وغيره.
ولما أمر سبحانه بالعدل ورغب فيه، ورهب من تركه ؛ أمر بطاعة المتنصبين لذلك وغيره، وفي غير ذلك من الدماء والأموال والأقوال والأفعال، وذكر خيانة أهل الكتاب وما أحل بهم لذلك من العقاب، وذكر أنه آتى هذه الأمة الملك المقتضي للحكم، وآتاهم الحكمة بعد جهلهم وضعفهم ؛ أقبل عليهم بلذيذ خطابه بعد ما وعدهم على امتثال أمره من كريم ثوابه بما ختمه بالظل الموعود على العدل في حديث "سبعة يظلمهم الله في ظله" فقال :﴿إن الله﴾ أي الذي له صفات الكمال ﴿يأمركم﴾ أي الذي له صفات الكمال ﴿يأمركم﴾ أي أيتها الأمة ﴿إن تؤدوا الأمانات إلى أهلها﴾ أي من غير خيانة ما، كما فعل أهل الكتاب في كتمان ما عندهم والإخبار بغيره، والأمانة : كل ما وجب لغيرك عليك.
ولما أمر بما يحق للإنسان في نفسه، أمر بما يحق له في معاملة غيره، وحقق لهم ما لم يكونوا يرومونه من أمر الملك بقوله بأداة القطع عاطفاً شيئين على شيئين :﴿إذا حكمتم﴾ وبين عموم ملكهم لسائر الأمم بقوله :﴿بين الناس﴾ وبين المأمور به بقوله :﴿أن تحكموا بالعدل﴾ أي السواء بأن تأمروا من وجب عليه حق بأدائه إلى من هو له، فإن ذلك من أعظم الصالحات الموجبة لحسن المقيل في الظل الظليل، أخرج الشيخان وغيرهما عن أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي ﷺ قال :"سبعة يظلهم الله في ظله يوم لا ظل إلا ظله : إمام عادل" الحديث.


الصفحة التالية
Icon