جزء : ٢ رقم الصفحة : ١٣
ولما علم بذلك أن الراسخين أيقنوا أنه من عند الله المستلزم لأنه لاعوج فيه أخبر أنهم أقبلوا على التضرع إليه في أن يثبتهم بعد هدايته ثم أن يرحمهم ببيان ما أشكل عليهم بقوله ـ حاكياً عنهم وهو في الحقيقة تلقين منه لهم لطفاً بهم مقدماً ما ينبغي تقديمه من السؤال في تطهير القلب عما لا ينبغي على طلب تنويره بما ينبغي لأن إزالة المانع قبل إيجاد المقتضى عين الحكمة :﴿ربنا﴾ أي المحسن إلينا ﴿لا تزغ قلوبنا﴾ أي عن الحق.
ولما كان صلاح القلب صلاح الجملة وفساده فسادها وكان ثبات الإنسان على سنن الاستقامة من غير عوج أصلاً مما لم يجربه سبحانه وتعالى عادته لغير المعصومين قال ـ نازعاً الجار مسنداً الفعل إلى ضمير الجملة :﴿بعد إذ هديتنا﴾ إليه.
وقال الحرالي : ففي إلاحة معناه أن هذا الابتهال واقع من أولي الألباب ليترقوا من محلهم من التذكر إلى ما هو أعلى وأبطن ـ انتهى.
فلذلك قالوا :﴿وهب لنا من لدنك﴾ أي أمرك الخاص بحضرتك القدسية، الباطن عن غير خواصك ﴿رحمة﴾ أي فضلاً ومنحة منك ابتداء من غير سبب منا، ونكرها تعظيماً بأن أيسر شيء منها يكفي الموهوب.
ولما لم يكن لغيره شيء أصلاً فكان كل عطاء كم فضله قالوا ـ وقال الحرالي : ولما كان الأمر اللداني ليس مما في فطر الخلق وجبلاتهم وإقامة حكمتهم، وإنما هو موهبة من الله سبحانه وتعالى بحسب العناية ختم بقوله :﴿إنك أنت الوهاب﴾ وهي صيغة مبالغة من الوهب والهبة، وهي العطية سماحاً من غير قصد من الموهوب ـ انتهى.
ولما كان من المعلوم من أول ما فرغ السمع من الكتاب في الفاتحة وأول البقرة
٢٦
وأثنائها أن للناس يوماً يدانون فيه وصلوا بقولهم السابق قوله :﴿ربنا إنك جامع﴾ قال الحرالي : من الجمع، وهو ضك ما شأنه الافتراق والتنافر لطفاًأو قهراً ـ انتهى.
جزء : ٢ رقم الصفحة : ٢٦


الصفحة التالية
Icon