وكل ذلك تنبيهاً على أنه يجب التثبت في فهم الكتاب والإحجام عن مشكله خوفاً من الفضيحة يوم الجمع يوم يساقون إليه ويقفون بين يديه، فكأنه تعالى يقول للنصارى : هب أنه أشكل عليكم بعض أفعالي وأقوالي في الإنجيل فهلا فعلتم فعل الراسخين فنزهتموني عما لا يليق بجلالي من التناقض وغيره، ووكلتم أمر ذلك إليّ، وعولتم في فتح مغلقه عليّ خوفاً من يوم الدين ؟ قال ابن الزبير : ثم لما بلغ الكلام إلى هنا ـ أي إلى آيه التصويرـ كان كأنه قد قيل : فكيف طرأ عليهم ما طرأ مع وجود الكتب ؟ أخبر تعالى بشأن الكتاب وأنه محكم ومتشابه، وكذا عيره من الكتب ـ والله سبحانه وتعالى أعلم، فحال أهل التوفيق تحكيم المحكم، وحال أهل الزيغ اتباع المتشابه والتعلق به، وهذا بيان لقوله :﴿يضل به كثيراً ويهدي به كثيراً﴾ [البقرة : ٢٦] وكل هذا بيان لكون الكتاب العزيز أعظم فرقان وأوضح بيان إذ قد أوضح أحوال المختلفين ومن أين أتى عليهم مع وجود الكتب، وفي أثناء ذلك تنبيه العباد على عجزهم وعدم استبدادهم لئلا يغتر الغافل فيقول مع هذا البيان ووضوح الأمر : لا طريق إلى تنكب الصراط، فنبهوا حين علموا الدعاء من قوله :﴿وإياك نستعين﴾ [الفاتحة : ٤] ثم كرر تنبيههم لشدة الحاجة ليذكر هذا أبداً، ففيه معظم البيلن، ومن اعتقادا الاستبداد ينشأ الشرك الأكبر إذ اعتقاد الاستبداد بالأفعال إخراج لنصف الموجودات عن يد بارئها ﴿والله خلقكم وما تعلمون﴾ [الصافات : ٩٦] فمن التنبيه ﴿إن الذين كفروا﴾ [البقرة : ٦] ومنه :﴿يضل به كثيراً ويهدي به كثيراً﴾ [البقرة : ٢٦] ومنه ﴿آمن الرسول﴾ [البقرة : ٢٨٥] ـ إلى خاتمتها، هذا من جلي التنبيه ومحكمه، ومما يرجع إليه ويجوز معناه بعد اعتباره :﴿وإلهكم إله واحد﴾ [البقرة : ١٦٣] وقوله :﴿الله لا إله إلا هوالحي القيوم﴾ [البقرة : ٢٥٥]، فمن رأى الفعل أو بعضه لغيره تعالى حقيقة فقد قال بإلهية غيره، ثم حذروا أشد التحذير لما بين لهم فقال تعالى :