ولما كان مدار هذه السنة على الزجر والإحجام عن أشياء اشتد ألفهم لها والتفاتهم إليها، وعظمت فيها رغباتهم من الميتات وما معها، والأزلام والذبح على النصب، وأخذ الإنسان بجريمة الغير، والفساد في الأرض، والسرقة والخمر والسوائب والبحائر - إلى غير ذلك ؛ ذكّر في أولها بالعهود التي عقدوها على أنفسهم ليلة العقبة حين تواثقوا على الإسلام من السمع والطاعة في المنشط والمكر والعسر واليسر فيما أحبوا وكرهوا، وختم الآية بقوله معللاً :﴿إن الله﴾ أي ملك الملوك ﴿يحكم ما يريد *﴾ أي من تحليل وتحريم وغيرهما على سبيل الإطلاق كالأنعام، وفي حال دون حال كما شابهها من الصيد، فلا يسأل عن تخصيص ولا عن تفضيل ولا غيره، فما فهمتم حكمته فذاك، وما لا فكلوه إليه، وارغبوا في أن يلهمكم حكمته ؛ قال الإمام - وهذا هو الذي يقوله أصحابنا : إن علة حسن التكليف هو الربوبية والعبودية، لا ما يقوله المعتزلة من رعاية المصلحة.
جزء : ٢ رقم الصفحة : ٣٨٤
ولما استثنى بعض ما أحل على سبيل الإبهام شرع في بيانه، ولما كان منه ما نهى عن التعرض له لا مطلقاً، بل ما يبلغ محله، بدأ به لكونه في ذلك كالصيد، وقدم على ذلك عموم النهي عن انتهاك معالم الحج المنبه عليه بالإحرام، أو عن كل محرم في كل مكان وزمان، فقال مكرراً لندائهم تنويهاً بشأنهم وتنبيهاً لعزائمهم وتذكيراً لهم بما ألزموه أنفسهم :﴿ياأيها الذين آمنوا﴾ أي دخلوا في هذا الدين طائعين ﴿لا تحلو شعائر الله﴾ أي معالم حج بيت الملك الأعظم الحرام، أو حدوده في جميع الدين، وشعائر الحج أدخل في ذلك، والاصطياد أولاها.
ولما ذكر ما عممه في الحرم أو مطلقاً، أتبعه ما عممه في الزمان فقال :﴿ولا الشهر الحرام﴾ أي فإن ذلك لم معاقداً على احترامه في الجاهلية والإسلام، ولعله وحده والمراد الجمع إشارة إلى أن الأشهر الحرم كلها في الحرمة سواء.