ولما كان في هذه المأمورات والمنهيات خروج عن المألوفات، وكانت الصلاة أوثق عرى الدين، وكان قد عبر عنها بالإيمان الذي هو أصل الدين وأساس الأعمال،
٤٠٥
عطف عليها قوله تذكيراً بما يوجب القبول والانقياد :﴿واذكروا﴾ أي ذكر اتعاظ وتأمل واعتبار.
ولما كان المقصود من الإنعام غايته قال :﴿نعمة الله﴾ أي الملك الأعلى ﴿عليكم﴾ أي في هدايته لكم إلى الإسلام بعد أن كنتم على شفا حفرة نم النار فأنقذكم منها، وفي غير ذلك من جميع النعم، وإنما لم تجمع لئلا يظن أن المقصود تعداد النعم، لا الندب إلى الشكر بتأمل أن هذا الجنس لا يقدر عليه غيره سبحانه وعظَّم رسول الله ﷺ كما يستحقه بجعل فعله سبحانه فعله ﷺ فقال :﴿وميثاقه﴾ أي عقده الوثيق ﴿الذي واثقكم به﴾ أي بواسطة رسوله ﷺ حين بايعكم ليلة العقبة على السمع والطاعة في العسر واليسر والمنشط والمكره ﴿إذ﴾ أي حين ﴿قلتم سمعنا وأطعنا﴾ وفي ذلك تحذر من مثل ما أراد بهم شاس بن قيس، وتذكير بما أوجب له ﷺ عليهم من الشكر بهدايته لهم إلى الإسلام المثمر لالتزام تلك العهود ليلة العقبة الموجبه للوفاء الموعود عليه الجنة، والتفات إلى قوله أول السورة ﴿أوفوا بالعقود﴾ [المائدة : ١] وحديث إسباغ الوضوء على المكاره مبيّن لحسن هذه التناسب.
ولما كان أمر الوفاء بالعهد صعباً، لا يقوم به إلا من صدقت عريقته وصلحت سريرته، وإنما يحمل عليه خافة الله قال :﴿واتقوا الله﴾ أي اجعلوا بينكم وبين ما يغضب الملك الأعظم.
الذي يفعل ما يشاء.
من نقض العهد وقاية من حسن القيام، لتكونوا في أعلى درجات وعيه، ثم علل ذلك مرغباً مرهباً بقوله :﴿إن الله﴾ أي الذي له صفات الكمال ﴿عليم﴾ أي بالغ العلم ﴿بذات الصدور *﴾ أي أحوالها من سرائرها وإن كان صاحبها لم يعلمها لكونها لم تبرز إلى الوجود، وعلانيتها وإن صاحبها قد نسيها.