ولما كان من جملة المعاقد عليه ليلة العقبة " ليلة تواثقوا على الإسلام " أن يقولوا الحق حيث ما كانوا، لا يخافون في الله لومة لائم، قال :﴿شهداء﴾ أي متيقظين محضرين أفهامكم غاية الإحضار بحيث لا يسد عنها شيء مما تريدون الشهادة به ﴿بالقسط﴾ أي العدل، وقال الإمام أبو حيان في نهره : إن التي جاءت ي سورة النساء جاءت في معرض الاعتراف على نفسه وعلى الوالدين والأقربين، فبدأ فيها باقسط الذي هو العدل ولاسواء من غير محاباة نفس ولا والد ولا قرابة، وهنا جاءت في معرض ترك العداوات والاحن، فبدىء فيها بالقيام بله إذ كان الأمر بالقيام لله أولاً أردع للمؤمنين، ثم أردف بالشهادة بالعدل، فالتي يف معرض المحبة والمحاباة بدىء فيها بما هو آكد وهو القسط، والتي في معرض العدواة والشنآن، بدىء فيها بالقيام لله، فناسب كل معرض ما جيء به إليه، وأيضاُ فتقدم هناك حديث النشوز والإعراض وقوله ﴿ولن تستطيعوا أن تعدلوا﴾ [النساء : ١٢٩] وقوله ﴿فلا جناح عليهما أن يصالحا﴾ [النساء : ١٢٨] فناسب ذكر تقديم القسط، وهنا تأخر ذكر العداوة فناسب أن يجاورها ذكر القسط.
انتهى.
ولما كان أمر بهذا الخبر، نهى مما يحجب عنه فقال :﴿ولا يجرمنكم﴾ أي يحملنكم ﴿شنئان قوم﴾ أي شدة عداوة من لهم قوة على القيام في الأمور من المشركين، بحيث يخشى من إهمالهم ازدياد قوتهم ﴿على ألا تعدلوا﴾ أي أن تتركوا قصد العدل، وهو يمكن أن يدخل فيه بغض أهل الزوجة الكافرة أو ازدراؤها في شيء من حقوقها لأجل خسة دينها، فأمروا بالعدل حتى بين هذه المرأة الكافرة وضرّاتها المسلمات، وإذا كان هذا شأن الأمر به في الكافر فما الظن به في المسلم ؟ ثم استأنف
٤٠٧


الصفحة التالية
Icon