ما لا حد بقوله :﴿ورضوان﴾ قال الحرالي : بكسر الراء وضمها، اسم مبالغة في معنى الرضى، وهو على عبرة امتلاء بما تعرب عنه الألف والنون وتشعر ضمة رائه بظاهر إشباعه، وكسرتها بباطن إحاطته - انتهى.
ولما جرى وعد الجنات على اسم الربوبية الناظر إلى الإحسان بالتربية فخم أمر هذا الجزاء وأعلاه على ذلك بنوطه بالاسم الأعظم فقال :﴿من الله﴾ أي المحيط بصفات الكمال.
ولما كان شاملاً لجميعهم وكان ربما ظن أنهم فيه مساوون أشار إلى التفاوت بقوله مظهراً في موضع الإضمار إشارة إلى الإطلاق عن التقييد بحيثية ما :﴿والله﴾ أي الذي له الحكمة البالغة ﴿بصير بالعباد﴾ أي بنياتهم ومقادير ما يستحقونه بها على حسب إخلاصها، وبغير ذلك من أعمالهم وأقوالهم وسائر أحوالهم.
جزء : ٢ رقم الصفحة : ٣١
ولما أخبر سبحانه وتعالى بأنه بصير بمن يستحق ما أعد من الفوز أتبعه ما استحقوا ذلك به من الأوصاف تفضلاً منه عليهم بها وبإيجاب ذلك على نفسه حثاً لهم على التخلق بتلك الأوصفاف فقال :- وقال الحرالي : لما وصف تعالى قلوبهم بالتقوى وبرهم من الاستغناء بشيء من دونه وصف أدبهم في المقال فقال ؛ انتهى - ﴿الذين يقولون ربنا﴾ أي يا من ربانا بإحسانه وعاد علينا بفضله، وأسقط أداة النداء إشعاراً بما لهم من القرب لأنهم في حضرة المراقبة ؛ ولما كانت أحوالهم في تقصيرها عن أن يقدر الله حق قدره كأنها أحوال من لم يؤمن اقتضى بالمقام التأكيد فقالوا :﴿إننا﴾ فأثبتوا النون إبلاغاً فيه ﴿آمنا﴾ أي بما دعوتنا إليه، وأظهروا هذا المعنى بقولهم :﴿فاغفر لنا ذنوبنا﴾ أي فإننا عاجزون عن دفعها ورفع الهمم عن مواقعتها وإن احتهدنا لما جبلنا عليه من الضعف والنقص، تنبيهاً منه تعالىعلى أن مثل ذلك لا يقدح في التقوى إذا هدم بالتوبة لأنه ما أصر من استغفر، والتوبة تجب ما قبلها.


الصفحة التالية
Icon