ولما ذكر سبحانه ما يفعلونه في حقه في كلامه الذي هو صفته، أتبعه ما يعم حقه وحق نبيه ﷺ على وجه معلم أن الخيانة ديدنهم، تسلية له ﷺ فقال :﴿ولا تزال﴾ أي بما نطلعك عليه يا أكرم الخلق! ﴿تطلع﴾ أي تظهر ظهوراً بليغاً ﴿على خائنة﴾ أي خاينة عظيمة تستحق أن تسمي فاعلها الخؤون لشدتها و﴿منهم﴾ أي في حقك بقصد الأذى، وفي حق الله تعالى بإخفاء بعض ما شرعه لهم ﴿إلا قليلاً منهم﴾ فإنهم يكونون على نهج الاستقامة إما بالإيمان، وإما بالوفاء وهم متمسكون بالكفر، ثم سبب عن هذا الذي في حقه ﷺ قوله :﴿فاعف عنهم﴾ أي امح ذنبهم ذلك اجترحوه، وهو دون النقض والتحريف فلا تعاقبهم عليه.
ولما كان العفو لا يمنع المعاتبة قال :﴿واصفح﴾ أي وأعرض عن ذلك أصلاً ورأساً، فلا تعاتبهم عليه كما لم تعاقبهم، فإن ذلك إحسان منك، وإذا أحسنت أحبك الله ﴿إن الله﴾ أي الذي له جميع صفات الكمال ﴿يحب المحسنين *﴾ وذلك - كما روى الشيخان وغيرهما عن عائشة رضي الله عنهما - أن النبي صلى الله سحره رجل من اليهود يقال له لبيد بن الأعصم وفي رواية للبخاري : إنه رجل من بني زريق حليف ليهود وكان منافقاً - حتى كان يخيل إليه أنه يأتي النساء ولا يأتيهن، وذلك أشد السحر، ثم إن الله تعالى شفاه وأعلمه أن السحر في بئر ذروان، فقالت له عائشة رضي الله عنها : أفلا
٤١٦
أخرجته ؟ فقال : لا، أما أنا فقد عافاني الله وكرهت أن أثير على الناس شراً، فأمر بها فدفنت، وهو في معجم الطبراني الكبير - وهذا لفظه - ومسند أبي يعلى الموصلي وسنن النسائي الكبرى ومسند عبد بن حميد وأبي بكر بن أبي شيبة وأحمد بن منيع عن زيد بن أرقم رضي الله عنه قال :" كان رجل يدخل على النبي صلى الله عليه وسلم.


الصفحة التالية
Icon