كل وجه، فأولئك على شك في أنه معه، وهؤلاء اعتقدوا أنه هو، فقال تعالى مبيناً أنهم في أظلم الظلام وأعمى العمى :﴿لقد﴾ أو يقال : إن اليهود لما فرطوا فكفروا، أفهم ذلك أن النصارى لما أفرطوا كفروا، فصار حالهم كالنتيجة لما مضى فقال : لقد ﴿كفر الذين قالوا﴾ مؤكدين لبعد ما قالوه من العقل فهو في غاية الإنكار ﴿إن الله﴾ أي على ما له من جميع صفات الكمال التي لا يجهلها من له أدنى تأمل إذا ترجى الهدى وانخلع من أسر الهوى ﴿هو المسيح﴾ أي عينه، وهو أقطع الكفر وأبينه بطلاناً، ووصفه بما هو في غاية الوضوح في بطلان قولهم لبعده عن رتبة الألوهية في الحاجة إلى امرأة فقال :﴿ابن مريم﴾ فهو محتاج إلى كفالتها بما لها من الأمومة.
ولما بطل مدعاهم على أتقن منهاج وأخصره، وكان بما دق على بعض الأفهام، أوضحه بقوله :﴿قل﴾ دالاً على أن المسيح عليه السلام عبد مملوك لله، مسبباً عن كفرهم ﴿فمن يملك من الله﴾ أي الملك الذي له الأمر كله ﴿شيئاً﴾ أي من الأشياء التي يتوهم أنها قد تمنعه مما يريد، بحيث يصير ذلك المملوك أحق به منه ولا ينفذ له فيه تصرف ﴿إن أراد﴾ أي الله سبحانه ﴿أن يهلك المسيح﴾ وكرر وصفه بالنوبة إيضاحاً للمراد فقال :﴿ابن مريم﴾ وأزال الشبهة جداً بقوله :﴿وأمه﴾ ولما خصهما دليلاً على ضعفهما المستلزم للمراد، عم دلالة على عموم القدرة المستلزم لتمام القهر لكل من يماثلهما المستلزم لعجز الكل المبعد من رتبة الإهلية، فقال موضحاً للدليل بتسويتهما ببقية المخلوقات :﴿ومن في الأرض جميعاً﴾ أي فمن يملك منعه من ذلك.
جزء : ٢ رقم الصفحة : ٤١٩


الصفحة التالية
Icon