فقال سبحانه وتعالى :﴿شهد الله﴾ أي الملك الأعظم الذي لا كفوء له ﴿أنه﴾ قال الحرالي : فأعاد بالإضمار ليكون الشاهد والمشهود له ﴿لا إله هو﴾ فأعاد بالهوية لمعنى الوحدانية في الشهادة ولم يقل : إلا الله، لما يشعر به تكرار الاسم في محل الإضمار من التنزل العلي - انتهى.
والمعنى أنه سبحانه وتعالى فعل فعل الشاهد في إخباره عما يعلم حقيقته بلفظ الشهادة جرياً على عادة الكبراء إذا رأوا تقاعس أتباعهم عما يأمرون به من المهمات في تعاغطيهم له بأنفسهم تنبيهاً على أن الخطب قد فدح والأمر قد تفاقم، فيتساقط حينئذ إليه الأتباع ولو أن فيه الهلاك تساقط الذباب في أحلى الشراب، وإلى ذلك ينظر قول وفد ثقيف : ما لمحمد يأمرنا بأن نشهد له بالرسالة ولا يشهد هو لنفسه! فكان ﷺ بعد لا يخطب خطبة إلا شهد لنفسه الشريفة ﷺ الشهادة لله فيها بالرسالة، فكأنه قيل : إن ربكم الذي أسبغ عليكم نعمه ظاهرة وباطنة قد نصب لكم الأدلة بخلق ما خلق على تفرده بحيث انتفى كل ريب فكان ذلك أعظم شهادة منه سبحانه لنفسه، وإليه أومأ من قال :
ولله في كل تحريكة وتسكينة أبداً شاهد وفي كل شيء له آية تدل على أنه واحد
ثم شهد بذلك لنفسه بكلامه جمعاً بين آيتي السمع والبصر فلم يبق لكم عذراً.