عليهم كل شيء قبلاً ما كانوا ليؤمنوا إلا أن يشاء الله} ﴿سواء عليهم ءأنذرتهم أم لم تنذرهم لا يؤمنون﴾ [البقرة : ٦] وكان القسم المتقدم الذي سمع لأول وهلة لم يكن ليقع ذكره هنا من جهة قصد أن أراه قدر هذه النعمة وإنقاذ المتصف بها من حيرة شك موقعها فيما تقدم من قوله ﴿إنما يستجيب الذين يسمعون﴾ [الأنعام : ٣٦] فذكر هنا ما هو واقع في إراءة قدر نعمة الإنقاذ والتخليص من عمى الجهل، هذا حال من انتقل بتوفيق الله وحال من بقي على موته، أو يكون الضربان قد شملهما قوله ﴿أو من كان ميتاً فأحييناه﴾ [الأنعام : ١٢٢] وأما الثاني وهو الذي ثبتت فيه صورة النقل فأمره صريح من الآية وأما الضرب الأول وهو السامع لأول وهلة المكفي المؤنة لواقي العصمة من طوارق الجهل والشكوك، فدخوله تحت مقتضى هذا اللفظ من حيث إن وقايته تلك أو سماعه بأول وهلة ليس من جهته ولا بما سبق أو تكلف، بل بإسداء الرحمة وتقديم النعمة، ولو أبقاه لنفسه أو وكله إليها لم يكن كذلك ﴿وما بكم من نعمة فمن الله﴾ [النحل : ٥٣]، فبهذا النظر قد تكون الآية قد شملت الضروب الثلاثة وهو أولى، أما سقوط الضرب الثالث من قوله :﴿إنما يستجيب الذين يسمعون﴾ [الأنعام : ٣٦] فلِما تقدم - والله أعلم بما أراد ؛ ولما تضمنت هذه السورة الكريمة من بسط الاعتبار وإبداء جهات النظر ما إذا تأمله المتأمل علم أن حجة الله قائمة على العباد، وأن إرسال الرسل رحمة ونعمة وفضل وإحسان، وإذا كانت الدلالات مبسوطة والموجودات مشاهدة مفصحة، ودلالة النظر من سمع وأبصار وأفئدة موودة، فكيف يتوقف عاقل في عظيم رحمته تعالى بإرسال الرسل! فتأكدت الحجة وتعاضدت البراهين، فلما عرف الخلق لقيام الحجة عليهم بطريقي الإصغاء إلى الداعي والاعتبار بالصنعة ؛ قال تعالى :﴿قل فللّه الحجة البالغة﴾ [الأنعام : ١٤٩] ﴿فقد جاءكم بينة من ربكم وهدة ورحمة﴾ [الأنعام : ١٥٧] فيما عذر المعتذر بعد هذا ؟ أتريدون كشف الغطاء ورؤية الأمر عياناً!