لو استبصرتم لحصل لكم ما منحتم، ﴿هل ينظرون إلا أن تأتيهم الملائكة أو يأتي ربك أو يأتي بعض آيات ربك﴾ [الأنعام : ١٥٨]، ثم ختمت السورة من التسليم والتفويض بما يجدي مع قوله :﴿فلو شاء لهداكم أجمعين﴾ [الأنعام : ١٤٩] وحصل من السور الأربع بيان أهل الصراط المستقيم وطبقاتهم في سلوكهم وما ينبغي لهم التزامه أو تركه، وبيان حال المتنكبين عن سلوكه من اليهود والنصارى وعبدة الأوثان والمجوس - انتهى.
جزء : ٢ رقم الصفحة : ٥٧٨
ولما كان علم جميع أحوال المخلوق دالاً على أن العلم بها هو خالقه، وأن من ادعى أن خالقه عاجز عن ضبط مملكته : عن كشف غيره لعوراتها وعلم ما لا يعلمه هو منها، فلم يكن إلهاً، وكان الإله هو العالم وحده، وكان المحيط العلم لا يعسر عليه تمييز التراب من التراب، وكان ﷺ يخبرهم عن الله من مغيبات أسرارهم وخفايا أخبارهم مما يقصون منه العجب ويعلمون منه إحاطة العلم حتى قال أبو سفيان بن حرب يوم الفتح : لو تكلمت لأخبرت عني هذه الحصباء، قال تعالى عاطفاً ﴿هو الذي﴾ دالاً على الوحدانية بشمول العلم بعد قيام الدليل على تمام القدرة والاختيار، لأن إنكارهم المعاد لأمرين : أحدهما ظن أن المؤثر في الأبدان امتزاج الطبائع وإنكار أن المؤثر هو قادر مختار، والثاني أنه - على تقدير تسليم الاختيار - غير عالم بالجزئيات، فلا يمكنه تمييز بدن زيد عن أجزاء بجن عمرو، فإذا قام الدليل على كمال قدرته سبحانه واختياره وشمول علمه لجميع المعلومات : الكليات والجزئيات، زالت جميع الشبهات :﴿هو الله﴾ أي الذي له هذا الاسم المستجمع لجميع الأسماء الحسنى والصفات العلى المدعو به تألهاً له وخضوعاً وتعبداً، وعلق بهذا المعنى قوله :﴿في السماوات﴾ لأن من في الشيء يكون متصرفاً فيه.