ولما كان الخطاب لمنكري البعث أكد فقال :﴿وفي الأرض﴾ أي هذه صفته دائماً على هذا المراد من أنه سبحانه ثابت له هذا الاسم الذي تفرد به على وجه التأله والتعبد في كل من جهتي العلو والسفل، ولا يفهم ذو عقل صحيح ما يقتضيه الظاهر من أنه محوي، فإن كل محوي منحصر محتاج إلى حاويه وحاصره، ضعيف التصرف فيما وراءه، ومن كان محتاجاً نوع احتياج لا يصلح للألوهية والمشيئة لحديث الجارية : أين الله ؟ قالت : في السماء، ومحجوج بحديث :"أنت الأول فليس قبلك شيء، وأنت
٥٨٧
الآخر فليس بعدك شيء، وأنت الظاهر فليس فوقك شيء، وأنت الباطن فليس دونك شيء" فإن ظاهره منافٍ لظاهر الأول، وظاهر هذا مؤيد بقاطع النقل من أنه غير محتاج، ومؤيد بصحيح النقل ﴿ليس كمثله شيء﴾ أي لا في ذاته ولا صفاته ولا شيء من شؤونه، و"قد كان الله ولا شيء معه"، وحديث "ليس فوقك شيء" - رواه مسلم والترمذي وابن ماجه في الدعوات وأبو داود في الأدب عن أبي هريرة رضي الله عنه - والله الموفق.
جزء : ٢ رقم الصفحة : ٥٨٧
ولما كان المراد إثبات أن علمه تعالى محيط، نسبةُ كل من الخفي والجلي إليه على السواء، وكان السياق هنا للخفي فإنه في بيان خلق الإنسان وعجيب صنعه فيه بما خلق فيه من إدراك المعاني وهيأه له من قبل أن يقدر على التعبير عنه، ثم أقدره على ذلك ؛ قدم الخفي فقال شارحاً لكونه لا يغيب عنه شيء :﴿يعلم سركم﴾.


الصفحة التالية
Icon