أنه لا يتقدر، بل إذا انقضى أكثر أهل عصر قيل : انقضى القرن، ودل على ما شاهدوا من آثارهم بقوله :﴿مكناهم﴾ أي ثبتناهم بتقوية الأسباب من البسطة في الأجسام والقوة في الأبدان والسعة في الأموال ﴿في الأرض﴾ أي بالقوة والصحة والفراغ ما لم نمكنكم، ومكنا لهم بالخصب والبسطة والسعة ﴿ما لم نمكن﴾ أي تمكيناً لم نجعله ﴿لكم﴾ أي نخصكم به، فالآية من الاحتباك أو شبهه، والالتفات من الغيبة إلى الخطاب لئلا يلتبس الحال، لأن ضمير الغائب يصلح لكل من المفضول والفاضل، ولا يُبقي اللبس التعبيرُ بالماضي في قوله ﴿وأرسلنا السماء﴾ أي المطر تسمية للشيء باسم سببه أو السحاب ﴿عليهم﴾.
ولما كان المراد المطر، كان التقدير : حال كونه ﴿مدراراً﴾ أي ذا سيلان غزير متتابع لأنه صفة مبالغة من الدر، قالوا : ويستوي فيه المذكر والمؤنث.
ولما ذكر نفعهم بماء السماء، وكان غير دائم، أتبعه ماء الأرض لدوامه وملازمته للبساتين والرياض فقال :﴿وجعلنا الأنهار تجري﴾ ولما كان عموم الماء بالأرض وبُعده مانعاً من تمام الانتفاع بها، أشار إلى قربه وعدم عموم الأرض به بالجار فقال :﴿من تحتهم﴾ أي على وجه الأرض وأسكناه في أعماقها فصارت بحيث إذا حفرت نَبَعَ منها من الماء ما يجري منه نهر.
ولما كان من المعلوم أنه من الماء كل شيء حي، فكان من أظهر الأشياء أنه غرز نباتهم واخضرت سهولهم وجبالهم، فكثرت زروعهم وثمارهم، فاتسعت أحوالهم وكثرت أموالهم فتيسرت آمالهم، أعلم سبحانه أن ذلك ما كان إلاّ لهوانهم استدراجاً لهم بقوله مسبباً عن ذلك :﴿فأهلكناهم﴾ أي بعظمتنا ﴿بذنوبهم﴾ أي التي كانت عن بطرهم النعمةَ ولم نبال بهم ولا أغنت عنهم نعمهم.
جزء : ٢ رقم الصفحة : ٥٨٧