ولما كان الإنسان ربما أبقى على عبده أو صاحبه خوفاً من الاحتياج إلى مثله، بين أنه سبحانه غير محتاج إلى شيء فقال :﴿وأنشأنا﴾ ولما كان سبحانه لم يجعل لأحد الخلد، أدخل الجار فقال :﴿من بعدهم﴾ أي فيما كانوا فيه ﴿قرناً﴾ ودل على أنه لم يُبق من المهلكين أحداً، وأن هذا القرن الثاني لا يرجع إليهم بنسب بقوله :﴿آخرين﴾ ولم ينقص ملكُنا شيئاً، فاحذروا أن نفعل بكم كما فعلنا بهم، وهذه الآية مثل آية الروم ﴿أو لم يسيروا في الأرض﴾ [الروم : ٩] - الآية، فتمكينهم هو المراد بالشدة هناك، والتمكين لهم هو المراد بالعمارة، والإهلاكُ بالذنوب هو المراد بقوله ﴿فما كان الله ليظلمهم﴾ [الروم : ٩] و[التوبة : ٧٠] - إلى آخر الآيتين.
٥٩٠
جزء : ٢ رقم الصفحة : ٥٨٧
ولما كانت ترجمة ما مضى : ثم هم يعدلون بربهم غيرَه ويكذبونك فيما جئت به من الحق مع ما أوضحت عليه من الحجج ونصبت من الدلائل، وكان ﷺ شديد الحرص على إيمانهم، كان المقام يقتضي أن يقول لسان الحال : أنزل عليهم يا رب ما ينتقلون به من النظر بالفكر إلى العيان كما اقترحوا عليّ، فأخبره أنهم لا يؤمنون بذلك، بقوله عطفاً على ﴿وما تأتيهم من آية﴾ تحقيقاً له وتصويراً في جريته :﴿ولو نزلنا﴾ أي على ما لنا من العظمة ﴿عليك كتاباً﴾ أي مكتوباً من السماء ﴿في قرطاس﴾ أي ورق، إجابة لما أشار عليهم اليهود باقتراحه، ثم حقق أنه واضح الأمر، ليس بخيال ولا فيه نوع لبس بقوله :﴿فلمسوه﴾ أي زيادة على الرؤية.


الصفحة التالية
Icon