وزاد في التحقيق والتصوير ودفع التجوز بقوله :﴿بأيديهم لقال﴾ وأظهر ولم يضمر تعليقاً للحكم بالوصف وتنبيهاً على أن من الموجودين من يسكت ويؤمن ولو بعد ذلك فقال :﴿الذين كفروا﴾ أي حكماً بتأبد كفرهم ستراً للآيات عناداً ومكابرة، ولعله أسقطُ منهم إشارة إلى عموم دعوته، أي من العرب ومن غيرهم من أمة دعوتك ولا سيما اليهود المشار إلى تعنتهم وكذبهم بقوله ﴿يسئلك أهل الكتاب أن تنزل عليهم كتاباً من السماء﴾ [النساء : ١٥٣] ﴿إن﴾ أي ما ﴿هذا إلاّ سحر﴾ أي تمويه وخيال لا حقيقة له، وزادوا في الوقاحة فقالوا :﴿مبين﴾ أي واضح ظاهر، قال صاحب كتاب الزينة : معنى السحر في كلام العرب التعليل بالشيء والمدافعة به والتعزيز بشيء لا محصول له، يقال : سحره - إذا علله وعزره وشبه عليه حتى لا يدري من أين يتوجه ويقلب عن وجهه، فكأن السحرة يعللون الناس بالباطل ويشبهون الباطل في صورة الحق ويقلبونه عن جهته.
ولما بين ما يترتب على الإجابة إلى ما أشار إلى أن اليهود اقترحوه من إنزال الكتاب، أخبر أنهم اقترحوا ظهور الملك لهم، وبين لوازمه، فإنهم قالوا : لو بعث الله رسولاً لوجب كونه ملكاً ليكون أكثر علماً وأقوى قدرة وأظهر امتيازاً عن البشر، فتكون الشبهة في رسالته أقل، والحكيم إذا أراد تحصيل مهم كان الأولى تحصيله بما هو أسرع إيصالاً إليه، فقال :﴿وقالوا لولا﴾ أي هلا ولِمَ لا ﴿أنزل عليه ملك﴾ أي من المساء ظاهراً لنا يكلمنا ونكلمه ولا يحتجب عنا.
جزء : ٢ رقم الصفحة : ٥٩١
ولما ذكر قولهم مشيراً إلى شبهتهم، نقضه بقوله :﴿ولو﴾ أي والحال أنا لو
٥٩١
﴿أنزلنا﴾ وأسقط أداة الاستعلاء لعدم الاحتياج في رد كلامهم إلى ذكرها.


الصفحة التالية
Icon