ولئلا يكون فيه تسليهم لما لوحوا إليه من إنكارهم نزول الملك عليه بالوحي ﴿ملكاً﴾ أي كما اقترحوه، فلا يخلو إما أن يكون على صورته أولاً، فإن كان على صورته التي خلق عليها لم يثبتوا لرؤيته، ولو كان كذلك ﴿لقضي الأمر﴾ أي بهلاكهم، وبناه للمفعول إشارة على طريق طلام القادرين إلى غاية السرعة لسهولة الأمر وخفة مؤنته، فإنه لا ينظره أحد منهم إلاّ صعق، ولئن أعطيناهم قوة يثبتون بها لنظره ليكونن قضاءٌ للأمر وانفصال للنزاع من وجه آخر، وهو أن ذلك كشف للغطاء وفوات للإيمان بالغيب، وقد جرت عادتنا بالإهلاك عند ذلك، فإذا هم هالكون على كل من هذين التقديرين، وهو معنى قوله مهولاً لرتبته بحرف التراخي :﴿ثم لا ينظرون﴾ أي علىحالة من هاتين، وأما إن جعلناه على صورة يستطيعون نظرها فإنا نجعله على صورة رجل، فإنها أكمل الصور ؛ وحينئذٍ يقع لهم اللبس الذي وقع لهم بدعائك، وهو معنى ﴿ولو جعلناه﴾ أي مطلوبَهم ﴿ملكاً﴾ أي يمكن في مجاري العادات في هذه الدار رؤيتهم له وبقاؤهم بعد رؤيته ﴿لجعلناه رجلاً﴾ أي في صورة رجل، ولكنه عبر بذلك إشارة إلى تمام اللبس حتى أنه لا يشك أحد يراه في كونه رجلاً، كما كان جبريل عليه السلام ينزل في بعض الأوقات على النبي ﷺ في صورة دحية الكلبي، فإذا رآه بعض الصحابة رضي الله عنهم لم يشك أنه دحية رضي الله عنه ﴿و﴾ لو جعلناه رجلاً ﴿للبسنا عليهم ما يلبسون﴾ أي لخلطنا عليهم بجعلنا إياه رجلاً ما يخلطونه على أنفسهم وعلى غيرهم في قولهم : إن الرسالة لا تصح من البشر، فلو كان هذا الذي يقول : إنه رسول رسولاً لكان ملكاً، فوقع اللبس عليهم بأنه لما كان هذا الذي يقول : إنه رسول، ملكاً كان رجلاً، ويجوز أن يقرر ذلك على وجه آخر، وهو أن يكون ﴿ولو نزلنا﴾ في حيز ﴿كانوا عنها معرضين﴾، أي أعرضوا عنا لو نزلناها عليك في غير قرطاس، ولو نزلنا عليك من السماء كتاباً في قرطاس فجعلنا لهم في ذلك بين حس البصر واللمس


الصفحة التالية
Icon