ولما كان ذلك كذلك في عدم الريب لإخبار الله به على ألسنة رسله ولما عليه من الأدلة لما في هذا الخلق من بدائع الحكم مع خروج أكثر أفعال الحيوان عن العدل، فصار من المعلوم لكل ذي وعي أن البعث محط الحكمة لإظهار التحلي بالصفات العلى لجميع الخلق : الشقي والسعيد القري والبعيد، كان كأنه قيل : فما لنا نرى أكثر الناس كافراً به، فقال جواباً :﴿الذين خسروا أنفسهم﴾ أي بإهلاكهم إياها بتكذيبهم به لمخالفة الفطرة الأولى التي تهدي الأخرس، وستر العقل السليم ﴿فهم﴾ أي بسبب خسارتهم لأنفسهم بإهمال العقل وإعمال الحواس والتقيد بالتقليد ﴿لا يؤمنون *﴾ فصاروا كمن يلقي نفسه من شاهق ليموت لغرض من الأغراض الفاسدة، لا بسبب خفاء في أمر القيامة ولا لبس بوقع ربنا، وصار المعنى : إن الذين لا يؤمنون في هذا اليوم هم المقضي بخسارتهم في ذلك اليوم.
ولما استنارت الأدلة استنارة الشمس وانتصبت البراهين حتى لم يبق أصلاً نوع لبس، عم بالخبر عما تقدم مما يشاهدونه وغيره، فقال ذاكراً الزمان بعد المكان، وقدمه لأنه أظهر، والمعلم الكامل هو الذي يبدأ بالأظهر فالأظهر مترقياً إلى الأخفى فالأخفى، فتم بذلك الخبر عن الزمان والزمانيات والمكان والمكانيات :﴿وله﴾ أي وحده ﴿ما سكن﴾ أي حل وتحيز وحصل ﴿في الليل والنهار﴾ أي ما من شأنه أن يسكن فيهما وإن كان متحركاً، ولكنه عبر بذلك دون التحرك لأنها دار الموت، ودخل في ذلك النور والظلمة اللذان أشرك بهما من أشرك.


الصفحة التالية
Icon