ولما كان الأمر بالإسلام نهياً عن الشرك، لم يكتف به، بل صرح به جمعاً بين الأمر والنهي من هذا الرب الكريم الذي يدو إحسانه وكرمه إلى ولايته، وينهى تمام ملكه وجبروته عن شيء من عداوته، في قوله عطفاً على ﴿قل﴾ على وجه التأكيد :﴿ولا تكونن﴾ أي بوجه من الوجوه في وقت من الأوقات أصلاً ﴿من المشركين *﴾ أي في عدادهم باتباعهم في شيء من أغراضهم، وهذا التأكيد لقطع أطماعهم عنه ﷺ في سؤالهم أن يطرد بعض أتباعه ليوالوه، ونحو ذلك مما كانوا يرجون مقاربته منهم به، إعلاماً بأن فعل شيء مما يريدون مصحح للنسبة إليهم والكون في عدادهم "من تشبه بقوم فهو منهم"
٥٩٧
ولما كان فعل المنهي قد لا يعذب عليه، قال معلماً بأن المخالفة في هذا من أبلغ المخالفات، فصاحبها مستحق لأعظم الانتقام، وكل ذلك فطماً لهم عن الطمع فيه، وأكده لذلك ولإنكارهم مضمونه :﴿قل إني﴾ ولما كان المقام للخوف، قدمه فقال :﴿أخاف إن عصيت﴾ أي شيء مما تريدون مني أن أوافقكم فيه بما أمرت به أو نهيت عنه ﴿ربي﴾ أي المحسن إليّ ﴿عذاب يوم﴾ ولما كان عظم الظرف بعظم مظروفه قال :﴿عظيم *﴾.
جزء : ٢ رقم الصفحة : ٥٩٦
ولما كان قد قدم من عموم رحمته ما أطمع الفاجر ثم أيأسه من ذلك بما أشير إليه من الخسارة، صرح هنا بما اقتضاه ذلك المتقدم، فقال واصفاً لذلك العذاب مبيناً أن الرحمة في ذلك اليوم على غير المعهود الآن، فإنها خاصة لا عامة دائمة السبوغ على من نالته، لا زائلة وكذا النعمة، هكذا شأن ذلك اليوم ﴿من يصرف عنه﴾ أي ذلك العذاب ؛ ولما كان المراد دوام الصرف في جميع اليوم، قال :﴿يومئذ﴾ أي يوم إذ يكون عذاب ذلك اليوم به ﴿فقد رحمه﴾ أي فعل به بالإنعام عليه فعل المرحوم ﴿وذلك﴾ أي لا غيره ﴿الفوز﴾ أي الظفر بالمطلوب ﴿المبين *﴾ أي الظاهر جداً، ومن لم يصرف عنه فقد أهانه، وذلك هو العذاب العظيم.


الصفحة التالية
Icon