ولما كان التقدير : فإن يصرف عنك ذلك العذاب فقد قرت عينك، عطف عليه دليلاً آخر لأنه لا يجوز في العقل أن يتخذ غيره ولياً، فقال معمماً للحكم في ذلك العذاب وغيره مبيناً أنه لا مخلص لمن أوقع به :﴿وإن يمسسك الله﴾ أي الملك الأعظم الذي لا كفوء له ؛ ولما كان المقام للترهيب، قدم قوله :﴿بضر﴾ أي هنا أو هناك ﴿فلا كاشف له﴾ أصلاً بوجه من الوجوه ﴿إلا هو﴾ أي لأنه لا كفوء له، فهو قادر على إيقاعه، ولا يقدر غيره على دفاعه، لأنه على كل شيء قدير ﴿وإن يمسسك بخير﴾ أي في أي وقت أراد.
ولما كان القياس على الأول موجباً لأن يكون الجزاء : فلا مانع له، كان وصفه من صفة قوله ﴿فهو على كل شيء﴾ أي من ذلك وغيره ﴿قدير *﴾ ولا يقدر غيره على منعه، منبهاً على أن رحمته سبحانه سبقت غضبه.
٥٩٨
جزء : ٢ رقم الصفحة : ٥٩٦
ولما كانت الجملتان من الاحتباك، فأفادتا بما ذكر وما دل عليه المذكور مما حذف أنه تعالى غالب على أمره، قال مصرحاً بذلك :﴿وهو القاهر﴾ أي الذي يعمل مراده كله ويمنع غيره مراده إن شاء، وصور قهره وحققه لتمكن الغلبة بقوله :﴿فوق عباده﴾ وكل ما سواه عبد ؛ ولما كان في القهر ما يكون مذموماً، نفاه بقوله :﴿وهو﴾ أي وحده ﴿الحكيم﴾ فلا يوصل أثر القهر بإيقاع المكروه إلا لمستحق، وأتم المعنى بقوله :﴿الخبير *﴾ أي بما يستحق كل شيء، فتمت الأدلة على عظيم سلطانه وأنه لا فاعل غيره.