ولما ختم بصفتي الحكمة والخبرة، كان كأنه قيل : فلم لم يعلم أنا نكذبك بخبرته فيرسل معك بحكمته من يشهد لك - على ما يقول من أنه أمرك أن تكون أول من أسلم، ونهاك عن الشرك لنصدقك - من ملك كما تقدم سؤالنا لك فيه أو كتاب في قرطاس أو غيرهما ؟ فقال : قد فعل، ولم يرض لي إلا بشهادته المقدسة فقال - أو يقال : إنه لما أقام الأدلة على الوحدانية والقدرة ووصل إلى صفة القهر المؤذن بالانتقام، لم يبق إلا الإشهاد عليهم غيذاناً مبا يستحقونه من سوء العذاب وإنذاراً به لئلا يقولوا إذا حل بهم : إنه لم يأتنا نذير، فقال :﴿قل﴾ أي يا أيها الرسول لهم ﴿أي شيء أكبر﴾ أي أعظم وأجل ﴿شهادة﴾ فإن أنصفوا وقالوا : الله! فقل : هو الذي يشهد لي، كما قال في النساء " لكن الله يشهد بما أنزل إليك " ولكنه قطع الكلام هنا إشارة إلى عنادهم أو سكوتهم، أو إلى تنزيلهم منزلة المعاند، أو العالم بالشيء العامل عمل الجاهل، فقال آمراً له ﷺ :﴿قل الله﴾ أي الملك الأعظم المحيط علماً وقدرة أكبر شهادة.
ولما كانوا بمعرض أن يسلموا ذلك ويقولوا : إنه لَكذلك، ولكن هلم شهادته! قال :﴿شهيد﴾ أي هو أبلغ شاهد يشهد ﴿بيني وبينكم﴾ أي بهذا القرآن الذي ثبت بعجزكم عنه أنه كلامه، وبغيره من الآيات التي عجزتم عن معارضتها ؛ ولما قرر أنه أعظم شهيد، وأشار إلى شهادته بالآيات كلها، نبه على أعظمها، لأن إظهاره تعالى للقرآن على لسانه ﷺ على وفق دعواه شهادة من الله له بالصدق، فقال ذاكراً لفائدته في سياق تهديد متكفل بغثبات الرسالة وإثبات الوحدانية، وقدم الأول لأنه المقرر للثاني والمفهم له بغايته، عاطفاً على جملة " شهيد " بانياً للمفعول، تنبيهاً على أن الفاعل
٥٩٩