وسيأتي مما ذكر من الآيات وغيرها ما يليق بالاستدلال على الإرسال إلى الملائكة عليهم السلام، فالمعنى : فمن صدق هذا القرآن فقد أفلح، ومن كذب فليأت بسورة من مثله، ثم عجزه شاهد على نفسه بالكذب، وهو شهادة الله لي بالصدق، ولأجل أن الله هو الشاهد لم تنقض الشهادة بموت النبي ﷺ، بل استمرت على مرّ الأيام وكرّ الأعوام لبقاء الشاهد وتعاليه عن شوائب النقص وسمات الحدث، وإلى ذلك الإشارة بقول النبي ﷺ "ما من الأنبياء نبي إلا قد أعطى من الآيات ما مثله آمن عليه البشر، وإنما كان الذي أوتيته وحياً أوحاه الله إليّ، فأرجو أن أكون أكثرهم
٦٠٠
تابعاً يوم القيامة" أخرجه الشيخان عن أبي هريرة رضي الله عنه.
ولعل الاقتصار على الإنذار مع ما تقدم إشارة إلى أن أكثر الخلق هالك، وقد ذكر في نزول هذه الآية أن أهل مكة أتوا رسول الله ﷺ فقالوا : أما وجد الله رسولاً غيرك ؟ ما نرى أحداً يصدقك بما تقول، ولقد سألنا عنك اليهود والنصارى فزعموا أنه ليس عندهم منك ذكر، فأرنا من يشهد أنك رسول الله كما تزعم، فأنزلها الله.
جزء : ٢ رقم الصفحة : ٥٩٩
ولما لم يبق لمتعنت شبهة، ساق فذلكة ذلك وقطب دائرته - وهو لزوم التوحيد الذي جعلت الرسالة مُرَقَّى إليه، فإذا ثبت في قلب فاضت أنواره بحسب ثباته حتى أنها ربما ملأت الأكوان وعلت على كيوان - مساق استفهام على طريقة الإنكار والتعجيب تعظيماً لشأنه وتفخيماً لمقامه وتنبيهاً لهم على أن يعدوا عن الشرك فقال : أئنكم لتشهدون أن مع الله} أي الذي حاز جميع العظمة ﴿آلهة﴾.