وأنت خبير بأمر عيسى عليه السلام بعد نزوله من السماء، والحاصل أن رسالته ﷺ إليهم صلوات الله عليهم - رتبة فاضلة ودرجة عالية كاملة جائزة له، لائقة بمنصبه، مطابقة لما ورد من القواطع لعموم رسالته وشمول دعوته، وقد دلت على حيازته لها ظواهر الكتاب والسنة مع أنه لا يلزم من إثباتها له إشكال في الدين ولا محذور في الاعتقاد، فليس لنا التجريء على نفيها إلا بقاطع كما قال إمامنا الشافعي رحمه الله في كتاب الرسالة في آية الأنعام ﴿قل لا أجد فيما أوحي إليّ محرماً﴾ [الأنعام : ١٤٥] قال : فاحتملت معنيين : أحدهما أن لا يحرم على طاعم يطعمه أبداً إلا ما استثنى الله عز وجل، وهذا المعنى الذي إذا وُوجه رجل مخاطباً به كان الذي يسبق إليه أنه لا يحرم عليه غير ما سمى الله عز وجل محرماً، وما كان هكذا فهو الذي يقال له أظهر المعاني وأعمها وأغلبها والذي لو احتملت الآية معاني سواه - كان هو المعنى الذي يلزم أهل العلم القول به إلا أن تأتي سنة للنبي ﷺ - بأبي هو وأمي - تدل على معنى غيره مما تحتمله الآية، فنقول : هذا معنى ما أراد الله عزّ وجلّ، ولا يقال بخاص في كتاب الله ولا سنة إلا بدلالة فيهما أو في واحد منهما، ولا يقال بخاص حتى تكون الآية تحتمل أن تكون أريد بها ذلك الخاص، فأما ما لم تكن محتملة له فلا يقال فيها بما لا تحتمل الآية - انتهى.
وشرحه الإمام أبو محمد بن حزم في المحلى فقال : ولا يحل لأحد أن يقول في آية أو في خبر : هذا منسوخ أو مخصوص في بعض ما يقتضيه ظاهر لفظه، ولا أن لهذا النص تأويلاً غير
٦١٦


الصفحة التالية
Icon