ولما علم أن هذه الآيات قد ترابطت حتى كانت آية واحدة، وختم بأن مضمون قوله ﴿فقد كذبوا بالحق لما جاءهم﴾ [الأنعام : ٥] - الآية، قد صار وصفاً لهم ثابتاً حتى ظهر في يوم الجمع، قسم الموسومين بما كانت تلك الآية سبباً له، وهو الإعراض عن الآيات المذكور في قوله ﴿إلاّ كانوا عنها معرضين﴾ [الأنعام : ٤]، فكان كأنه قيل : فمنهم من أعرض بمليته، فعطف عليه قوله :﴿ومنهم من يستمع إليك﴾ أي يصغي بجهده كما في السيرة عن أبي جهل بن هشام وأبي سفيان بن حرب والأخنس بن شريق أن كلاًّ منهم جلس عند بيت النبي ﷺ في الليل يستمع القرآن.
لا يعلم أحد منهم بمجلس صاحبه، فلما طلع الفجر انصرفوا فضمهم الطريق فتلاوموا وقالوا : لو رآكم ضعفاؤكم لسارعوا إليه، وتعاهدوا على أن لا يعودوا، ثم عادوا تمام ثلاث ليال، ثم سأل الأخنس أبا سفيان عما سمع فقال : سمعت أشياء عرفتها وعرفت المراد منها، وأشياء لم أعرفها ولم أعرف المراد منها، فقال : وأنا كذلك، ثم سأل أبا جهل فأجاب
٦٢١
بما يعرف منه أنه علم صدقه وترك تصديقه حسداً وعناداً، وذلك هو المراد من قوله :﴿وجعلنا﴾ أي والحال أنا قد جعلنا ﴿على قلوبهم أكنة﴾ أي أغطية، جمع كنان أي غطاء ﴿أن﴾ أي كراهة أن ﴿يفقهوه﴾ أي القرآن ﴿وفي آذانهم وقراً﴾ أي ثقلاً يمنع من سمعه حق السمع، لأنه يمنع من وعيه الذي هو غاية السماع، فهم لا يؤمنون بما يسمع منك لذلك.


الصفحة التالية
Icon