ولما أفهم هذا القضاء الحتم أنه قد صار حالهم حال من حتم بالموت، فلا يمكن إسماعه إلا الله، ولا يمكن أن يستجيب عادة، قال :﴿إنما يستجيب﴾ أي في مجاري عاداتكم ﴿الذين يسمعون﴾ أي فيهم قابلية السمع لأنهم أحياء فيتدبرون حينئذ ما يلقى إليهم فينتفعون به، وهؤلاء قد ساووا الموتى في عدم قابلية السماع للختم على مشاعرهم ﴿والموتى﴾ أي كلهم حساً ومعنى ﴿يبعثهم الله﴾ أي الملك المحيط علماً وقدرة، فهو قادر على بعثهم بإفاضة الإيمان على الكافر وإعادة الروح إلى الهالك فيسمعون حينئذ، فالآية من الاحتباك : حذف من الأول الحياة لدلالة ﴿الموتى﴾ عليها، ومن الثاني السماع لدلالة ﴿يسمعون﴾ عليه.
ولما قرر أن من لا يؤمن كالميت، حثاً على الإيمان وترغيباً فيه، وقدر قدرته على البعث، خوَّفَ من سطواته بقوله :﴿ثم إليه﴾ أي وحده ﴿يرجعون *﴾ أي معنى في الدنيا فإنه قادر على كل ما يشاء منهم، لا يخرج شيء من أحوالهم عن مراده أصلاً وحساً بعد الموت، فيساقون قهراً إلى موقف يفصل فيه بين كل مظلوم وظالمه.
ولما سلاه ﷺ فيما أخبرته من أقوالهم بما شرح صدره وسر خاطره، وأعلمه
٦٣٠
تخفيفاً عليه أن أمرهم إنما هو بيده، ذكَّره بعضَ كلامهم الآئل إلى التكذيب عقب إخباره بالحشر الذي يجازي فيه كلاًّ بما يفعل، فقال عطفاً على قوله ﴿وقالوا إن هي إلا حياتنا الدنيا﴾ [الأنعام : ٢٩] وقوله ﴿وقالوا لولا أنزل عليه الملك﴾ [الأنعام : ٨] يعجب منه تعجيباً آخر :﴿وقالوا﴾ أي مغالطة أو عناداً أو مكابرة ﴿لولا﴾ أي هلا ﴿نزل﴾ أي بالتدريج ﴿عليه﴾ أي خاصة ﴿آية﴾ أي واحدة تكون ثابتة بالتدريج لا تنقطع، وهذا منهم إشارة إلى أنهم لا يعدون القرآن آية ولا شيئاً مما رأوه منه ﷺ من غير ذلك نحو انشقاق القمر ﴿من ربه﴾ أي المحسن إليه على حس ما يدعيه لنستدل بها على ما يقول من التوحيد والبعث.


الصفحة التالية
Icon