ولما كان في هذا - كما تقدم - إشارة منهم إلى أنه لم يأت بآية على هذه الصفة إما مكابرة وإما مغالطة، أمره بالجواب بقوله :﴿قل إن الله﴾ أي الذي له جميع الأمر ﴿قادر على أن﴾ وأشار بتشديد الفعل إلى آية القرآن المتكررة عليهم كل حين تدعوهم إلى المبارزة وتتحداهم بالمبالغة والمعاجزة فقال :﴿ينزل﴾ وقراءة ابن كثير بالتخفيف مشيرة إلى أنهم بلغوا في الوقاحة الغاية، وأنهم لو قالوا : لولا أنزل، أي مرة واحدة، لكان أخف في الوقاحة، أو إلى أنه أنزل عليهم أيّ ىية، كانت تلجئهم وتضطرهم إليه في آن واحد كما قال تعالى ﴿إن نشأ ننزل عليهم من السماء آية فظلت أعناقهم لها خاضعين﴾ [الشعراء : ٤] ولكنه لا يسأل ذلك إلا بالتدريج كما يشير غليه صيغة التفعيل في قراءة غيره المذكرة بأن آية القرآن لا تنقضي، بل كلما سمعها أحد منهم أو من غيرهم طول الدهر كانت منزلة عليه لكونها واصلة إليه، فهو أبلغ من مطلوبهم آية ينزل عليه وحده، والحاصل أنهم طلبوا آية باقية محضة، فلوح لهم إلى آية هي - مع كونها خاصة به فيما حصل له من الشرف - عامة لكل من بلغته، باقية طول المدى ﴿آية﴾ أي مما اقترحوه ومن غيره، لا يعجزه شيء، وفي كل شيء له من الآيات ما يعجز الوصف، وكفى بالقرآن العظيم مثالاً لذلك ﴿ولكن أكثرهم لا يعلمون *﴾ أي ليس فيهم قابلية العلم، فهم لا يتفكرون في شيء من ذلك الذي يحدثه من مصنوعاته ليدلهم على أنه على كل شيء قدير، فلا فائدة لهم في إنزال ما طلبوه، وأما غير الأكثر فهو سبحانه يردهم بآية القرآن أو غيرها مما لم يقترحوه.
جزء : ٢ رقم الصفحة : ٦٢٩


الصفحة التالية
Icon