قلت : وحقيقة المعنى كما مر : هل رأيت زيداً ؟ فلما استفهم عن رؤيته - والمراد الخبر لا البصر - عُلم أن السؤال عن بعض أحواله، فكأنه قيل : ما له ؟ فقيل : ما صنع ؟ ولما كان استفهام الإنكار بمعنى النفي، كان كأنه قيل : لا تدعون غيره، فعطف عليه قوله :﴿بل إياه﴾ أي خاصة ﴿تدعون﴾ أي حينئذ ؛ ولما كان يتسبب عن دعائهم تارة الإجابة وأخرى غيرها قال :﴿فيكشف﴾ أي الله في الدنيا أو في الآخرة، فإنه لا يجب عليه شيء، ولا يقبح منه شيء ﴿ما تدعون إليه﴾ أي إلى كشفه ﴿إن شاء﴾ أي ذلك تفضلاً عليكم كما هي عادته معكم في وقت شدائدكم، ولكنه لا يشاء كشفه في الآخرة، لأنه لا يبدل القول لديه وإن كان له أن يفعل ما يشاء، ولو كان يجيبكم دائماً وأنتم لا تدعون غيره، لكان ذلك كافياً في الدلالة على اعتقادكم أنه لا قادر إلا هو، فكيف وهو يجيبكم في الدنيا إذا دعوتموه تارة ويجيبكم أخرى، ومع ذلك فلا يردكم عدم إجابته عن اعتقاد قدرته ودوام الإقبال عليه في مثل تلك الحال لما ركز في العقول السليمة والفطر الأولى من أنه الفاعل المختار، وعلى ذلك دل قوله عطفاً على " تدعون " :﴿وتنسون﴾ أي تتركون في تلك الأوقات دائماً ﴿ما تشركون *﴾ أي من معبوداتكم الباطلة لعلمكم أنها لا تغني شيئاً، كما هي عادتكم دائماً في أوقات الشدائد رجوعاً إلى حال الاستقامة.
أفلا يكون لكم هذا زاجراً عن الشرك في وقت الرخاء خوفاً من إعادة الضراء!
٦٣٥
جزء : ٢ رقم الصفحة : ٦٣٢
ولما أقام لهم بهذه الآية على توحيده الدليل حتى استنارت السبل في تذكيرهم أن التضرع قد يكشف ب البلاء، أخبرهم أن تركه يوجب الشقاء، ترغيباً في إدامته وترهيباً من مجانبته فقال :﴿ولقد أرسلنا﴾ أي بما لنا من العظمة ﴿إلى أمم﴾ أي أناس يؤم بعضهم بعضاً، وهم أهل لأن يقصدهم الناس، لما لهم من الكثرة والعظمة.


الصفحة التالية
Icon