ولما انقضى جواب الفصل المبني على إبطال الفضل وإظهار العدل، ذكر سبحانه قولهم بعده عاطفاً له على ما مضى من قولهم أو قوله، كان الأصل ان يقال : وقالوا، ولكنه أظهر الوصف بالشرف إشارة إلى أنه الذي حملهم على نتيجة الاستكبار وهي الكفر، ثم لم يرضوا به حتى أضافوا إليه تكفير غيرهم فقال :﴿وقال الملأ﴾ أي الأكابر ﴿الذين﴾ يملؤون العيون مراى والقلوب مهابة، فحلمهم التكبر على أنهم ﴿كفروا﴾ ولما كان من المستبعد ان يكون أقاربه يتنكبون عما أتاهم به من الخير لحسد أو اتهام أو غيرها، فكان ربما ظن أن هؤلاء الذين يعاملونه بهذه الغلطة أجانب عنه، قال :﴿من قومه﴾ بياناً لأن الفضل بيد الله فقد يؤتيه البغيض البعيد ويمنعه البيب القريب ﴿إنك لا تهدي من احببت﴾ [القصص : ٥٦] ووطؤوا للقسم بقولهم :﴿لئن اتبعتم﴾ أي أيها الأتباع ممن لم يؤمن بعد ﴿شعيباً﴾ أو تركتم ما أنتم عليه مما أوثه لكم آباؤكم ؛ واجاب القسم بما سد عن جواب الشرط بقوله :﴿إنكم إذاً﴾ أي وقت اتباعه ﴿لخاسرون﴾ أي لأنكم استبدلتم بدين الآباء غيره وحرمتم فوائد البخس والتطفيف وقط السبل ولما كمل إثمهم بالضلال والإضلال، استحقوا الألخذ فقال :﴿فأخذتهم﴾ أي فتسبب عن أقوالهم هذه وأفعالهم أنه أخذتهم ﴿الرجفة﴾ أي الزلزلة العظيمة في القلوب أو الديار التي كانت سبباً للصيحة أو مسببة عنها ﴿فأصبحوا في دارهم﴾ أي مساكنهم، وتقدم سر توحيدها ﴿جاثمين*﴾ أي باركين على الركب أو لازمين أمكنتهم لا حراك بهم، وهذا دون ما كان النبي ﷺ لما نزلت الملائكة بجنين، فكان الكفار يسمعون غي أجوافهم مثل وقع الحصاة في الطست، ودون ما كان يجد مخالفة من الرعب من مسيرة
٧١
جزء : ٣ رقم الصفحة : ٧١


الصفحة التالية
Icon