وذلك الاستبصار بما يكون من نافع أو ضار وعدم الاغترار بأحوال المستدرجين الأشرار متكفل بالتسلية لنبيه ﷺ والتأسية، متقدم على قصة موسى وهارون عليهما السلام لطولها وتعجيلاً بما في ذلك من مصارع الإنذار بقوله تعالى :﴿وما﴾ أي أرسلنا فلاناً فكان كذا وفلاناً فكان كذا، وما ﴿أرسلنا﴾ أي بما لنا من العظمة ﴿في قرية﴾ أي من قرى أولئك وغيرهم ﴿من نبيِّ﴾ أي من الأنبياء الذين تقدموك ﴿ا﴾ إلا كان ما نخبر به من ترهيبهم من سطواتنا وهوأنا ﴿أخذنا﴾ أي بعظمتنا ﴿أهلها﴾ أي أخذ قهر وسطوة، أي لأجل استكبارهم عن الحق ﴿بالبأساء﴾ أي قهر المساءة حال من يرجى تضرعه وتذلله وتخضعه لمن لا يكشف ذلك عنه غيره ولو كان التضرع في أدنى المراتب - على ما أشار إليه الإدغان، لأن ذلك كاف في الإنقاذ من عذاب الإنذار الذي هذه سورته بخلاف ما مضى في الأنعام ولما لم يتضرعوا صادقين من قلوبهم معترفين بالحق لأهله كما يحق له، استدراجهم بإدرار النعم، فقال مشيراً إلى طول مدة الابتلاء واستبعادهم لكشف ذلك البلاء :﴿ثم بدلنا﴾ ومظهر العظمة يؤيد الاحتمال الثاني ﴿مكان﴾ أي جعلنا بدل كثروا وكثرت نعمهم فلم يشكروا ﴿وقالوا﴾ مسندين الأمر إلى غير أهله ﴿قد مس آباءنا الضراء﴾ أي الشدة ﴿والسراء﴾ أي الرخاء والنعمة، معتقدين أن هذه عادة الدهر لا فعل الفاعل المختار.
ولما لم يعتبروا ويعملوا أن ذلك ممن يحب أن لا يعدل عن بابه ولا يغفل عن
٧٣


الصفحة التالية
Icon