ولما انقضى ذلك على هذا الوجه العظم والنظم البلغ الأحكم، وكانت هذه القرى بحيث تعرفها العرب ويرونها، أشار إليهم حثّاً على الاعتبار بهم، ولما كان أهلها جديرين بالبعد عنهم والهرب منهم، عبر عنهم باداة البعد فقال :﴿تلك القرى﴾ أي محالّ القبائل الخمس، ويجوز ان يكون البعد لعظمة ما حصل لأهلها من العذاب، ويؤيده قوله مبنياً لحالها :﴿نقص عليك﴾ ولما كان العاقل من يكفيه أدنى شيء هوّل الأمر بأن أخبارها تفوت الحصر، وأن ما قص منها يمفي المعتبر، فقال :﴿من أنبائها﴾ أي أخبارها العظيمة الهائلة المطابقة للواقع شيئاً بعد شيء كما يفعل من يتتبع الأثرب، وأنث الضمير لأن لرؤية القرى أنفسها مدخلاً في معرفة اخبارها أهلها ولما كان المقام العجب من التكذيب بعد ذلك البيان، كان ربما تخيل متخيل أنهم لم يؤتوا بالبيان الشافي، فشهد الله تعالى للرسل عليهم السلام تصديقاً لمن قال مهم : ؛ قد جاءتكم بينة، بقوله :﴿ولقد﴾ أي والحال أنه قد ﴿جاءتهم﴾ أي اهل القرى لأنهم المقصودون بالذات ﴿رسلهم﴾ أي الذين ارسلنا إليهم ﴿بالبينات فما﴾ أي فلم يتسبب عن ذلك بسبب طبعنا على قلوبهم إلا أنهم ما ﴿كانوا﴾ موفقين ﴿بما﴾ أي بالذي ﴿كذبوا﴾ أي به، وحذفها أدل على الزجر من مطلق التكذيب واوفق لمقصود السورة ولما كان تكذبيهم غير مستغرق للزمان الماضي، أدخل الجارّ فقال :﴿من قبل﴾ أي قبل مجيء الرسل إليهم أو بتكذيبهم الواقع منهمللرسل فيما أتوا به عن الله من قبل الأخذ بغته، أو من قبل مجيء الرسل بالايات، فإنهم أول ما جاؤوهم فاجؤوهم بالتكذيب، فجوزوا على تكذيب الحق من غير نظر في دليل بالطبع على قلوبهم فاتوهم.
٧٦


الصفحة التالية
Icon