ولما أتاهم عليه السلام وهم وفرعون بأمانته وصدقه وعظم مكانته ومكارم أخلاقه وشريف عنصره وعظيم مخبره، وفرعون أعظمهم معرفة به لأنه ربي في حجره، كان هذا حالاً مقتضياً لأن يلقي إليهم الكلام غير مؤكد لكن لما كان الإرسال من الله أمراً عظيماً جداً، وكان المقصود به تخليه سبيل بني إسرائيل، وكان فرعون ضنيناً بذلك، أكده بعض التأكد فقال :﴿إني رسول﴾ ثم بين مرسله بقوله :﴿من رب العالمين*﴾ أي المحسن إليهم أجمعين - وانتم منهم - بإيجادهم وتربيتهم، فهو تنبيه لمن سمعه على أن فرعون مربوب مقهور.
٧٨
ولما ولما خلفه مما يدعيه من الربوبية دالاً على تسويته ببقية العالمين : نا طقهم وصامتهم، وكان لذلك بعيداً من الإذعان لهذا الكلام، أتبعه قوله على وجه التاكد مستانفاً بيان ما يلزم للرسول :﴿حقيق﴾ أي بالغ في الحقية، وهي الثبات الذي لا يمكن زواله ﴿على أن أقوله على الله﴾ أي له جميع الكمال، ولا عظمة لسواه ولا جلال ﴿إلا الحق﴾ أي الثابت الذي لا تمكن المماراة فيه اصلاًلما يصدقه من المعجزات، وحاصل العبارة ومآلها : حق على قولي الذي أطلقه لجميع الصفات، وقراءة نافع بتشديد ياء الإضافة في ﴿على﴾ بمعنى هذا سواء، لأن من حق عليه شيء حق على كلامه ولما كان الحال إذ ذاك يقتضي توقع إقامة موسى عليه السلام البينة على صحة رسالته كان كانه قيل : ما دليل صدقك ؟ فقال مفتتحاً بحرف التوقع والتحقيق :﴿قد جئتكم﴾ أي كلكم، لا أخص أحداً منكم ﴿ببينة﴾ دليلاً على رسالتي وقولي الحق ﴿من ربكم﴾ أي المحسن إليكم بكل نعمة ترونها لديكم من خلقكم وزرقكم وكف الأمم عن انتزاع هذا الملك منكم وإهلاككم، وتلك البينة هي المعجزة، فكرر البيان في هذا الكلام على أن فرعون ليس كما يدّعي لأنه مربوب، لا فرق بينة وبين بقية العالمين في ذلك.
جزء : ٣ رقم الصفحة : ٧٨


الصفحة التالية
Icon