السحرة كانوا في ذلك الزمان عندهم في غاية الكثرة، ويدل على أن في طبع الناس المعارضة، فمهما أمكنت بطلت دعوى النبوة، وإذا تعذرت صحت الدعوى ولما كان التقدير، فاخر أمرهما وارسل كما قالوا، فجمعوا من وجدوه منهم، عطف عليه قوله :﴿وجاء السحرة فرعون﴾ ولما تشوف السامع إلى خبرهم، قال مجيباً له استئنافاً :﴿قالوا﴾ أي لفرعون حضروا بين يديه متوثقين لنفع أنفسهم مفهمين له أنهم غالبون، لا مانع لهم من ذلك إلا عدم إنصافهم، سائقين للكلام في قراءة الجماعة مساق الاستفهام أدباً معه في طلب الإكرام :﴿أئن لنا لأجراً﴾ وأكدوا طلباً لإخراج الوعد على حال التكذيب ﴿إن كنا نحن﴾ أي خاصة ﴿الغالبين*﴾ ومن أخبر أراد الاستفهام وهم نافع وابن كثير وحفص عن عاصم ﴿قال﴾ أي فرعون ﴿نعم﴾ أي لكم أجر مؤكد الخبر به، وزاد بيان التاكيد بما زادهم به رغبة في قوله :﴿وإنكم﴾ أي زيادة على ذلك ﴿لمن المقربين*﴾ أي عندي في الحضرة.
جزء : ٣ رقم الصفحة : ٨١
ولما فرغوا من محاورته، تشوف السامع إلى قولهم لموسى عليه السلام، فاستأنف قوله جواباً :﴿قالوا﴾ بادئين باسمه ﴿ياموسى﴾ مخبرين له أدباً معه كما هي عادة عقلاء الخصام قبل وقوع الخصام في سياق مفهم أن قصدهم الإلقاء أولاً، وذلك قولهم :﴿وإما أن نكون نحن﴾ أي خاصة ﴿الملقين*﴾ أي لما معنا أولاً ولما فهم موسى عليه السلام مرادهم مما عبر هذا النظم عن حقيقة معناه من تاكيد ضميرهم المتصل بالمنفصل وتعريف الخبر وإقحام الفصل، وكان واثقاً من الله تعالى بما وعده به جارياً مع مراده، لا فرق بين أن يتقدم او يتاخر ؛ أجابهم إلى سؤالهم.


الصفحة التالية
Icon